الأربعاء, أبريل 23, 2025
20.4 C
Beirut

المعادِن الاستراتيجية السُّورِيَّة: الكَنزُ المَخفِي وراءَ مشروع إسرائيل الكبرى

نشرت في

أخباركم – أخبارنا/ د. وسيم جابر

تحت أنقاض سوريا المُدمَّرة، وخلف ستار الخطاب السياسي المرتبك، تكمن حقيقة أكثر صلابة من الصخور التي تختزنها أرضها. إنها ليست حربًا على النفوذ فحسب، بل سباق محموم على ثروات معدنية استراتيجية تتحكم بمستقبل الصناعات التكنولوجية المتقدمة في العالم.

الكوارتز السيليكوني: المعدن الذي سَيَحكُم العالَم

في المنطقة الجنوبية من سوريا، وتحديدًا في محافظات درعا والسويداء، وصولًا إلى مناطق القريتين والتنف، تستلقي رواسب هائلة من الكوارتز السيليكوني النقي بنسبة تصل إلى 99%، وهو المادة الخام الأساسية لصناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات والخلايا الشمسية. هذه المنطقة تحديدًا هي ما تقع اليوم ضمن ما يُسمى “الممر الدرزي-الإسرائيلي” في خرائط التقسيم المزعومة.

ليس من قبيل الصدفة أن تتزامن حملة التطهير العرقي في هذه المناطق مع إعلان إسرائيل عن بناء أكبر مجمع تكنولوجي للمسيرات والإلكترونيات المتقدمة في صحراء النقب. هذه المعادلة الاقتصادية البسيطة هي التي تفسر الإصرار الإسرائيلي على توسيع نفوذها باتجاه العمق السوري. إسرائيل لا تقاتل من أجل الأرض فحسب، بل من أجل ما تحت الأرض.

ثروة تفوق نفط الخليج

القيمة الاستراتيجية للمعادن السورية تتجاوز بمراحل الصدقة الخليجية على سوريا اليوم. وفقًا لتقديرات خبراء الجيولوجيا، فإنَّ قيمة الكوارتز السيليكوني النقي الموجود في المنطقة الجنوبية السورية، إضافةً إلى معادن استراتيجية أخرى، كالفوسفات والزيوليت والرمال الكوارتزية، تفوق في قيمتها الاستراتيجية ثروات السعودية وقطر مجتمعة.

صعود صناعات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والتقنيات العسكرية المتطورة يجعل من هذه المعادن أكثر قيمة من النفط في عالم الغد. تقارير استخباراتية إسرائيلية قدَّرت قيمة الثروات المعدنية السورية – إذا ما تم استغلالها بتقنيات متقدمة – بما يزيد عن 3 تريليونات دولار.

استراتيجية “الفوضى المُخطَّطَة”

لم تكن الحرب في سوريا فوضى عشوائية، بل فوضى مصممة بعناية. الصراع الطائفي والإثني الذي شهدته البلاد كان مقدمة ضرورية لتقسيم المنطقة وفق خارطة الثروات المعدنية.

رُوجافا (الشمال الشرقي): سيطرة أمريكية على حقول النفط والغاز

المنطقة الجنوبية: سيطرة إسرائيلية (عبر حلفاء محليين) على رواسب الكوارتز.

الساحل: نفوذ روسي يضمن المصالح البحرية والعسكرية.

المنطقة الوسطى: منطقة عازلة مفككة تمنع أي تواصل جغرافي بين مكونات سوريا التاريخية.

هذا التقسيم ليس سياسيًا فقط، بل جيولوجي بالدرجة الأولى. كل قوة دولية أو إقليمية تسعى للسيطرة على المنطقة التي تحتوي على المورد الاستراتيجي الذي يخدم مشروعها المستقبلي.

مجمع النقب التكنولوجي: البوابة الإسرائيلية للهيمنة

في مفارقة صارخة، بينما تتحدث وسائل الإعلام عن “مساعدات إنسانية” لسوريا، تبني إسرائيل في “صحراء النقب” مجمعًا تكنولوجيًا ضخمًا متخصصًا في صناعة المسيرات والإلكترونيات المتقدمة. هذا المجمع، المقرر افتتاحه هذا العام، سيحتاج إلى كميات هائلة من السيليكون النقي – وهو بالضبط ما تختزنه المناطق الجنوبية السورية. التناقض المذهل يكمن في أن هذه المسيرات والتقنيات ستُستخدم لاحقًا في استكمال السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، في حلقة جهنمية لا تنتهي من الاستغلال والهيمنة.

العرب: من ممولي الدمار إلى متسولي الإعمار

الدور الخليجي في المعادلة السورية يثير الاستغراب والسخرية معًا. الدول التي أنفقت مئات المليارات لتدمير سوريا، تتصدق اليوم بـ 200 مليون دولار لدعم جهود الجولاني وتحقيقه الغاية. هذه المبالغ الهزيلة لا تُفهم إلا في سياق تهيئة الأرض لمشروع إقليمي أكبر، يستهدف تحويل المنطقة العربية إلى كانتونات ضعيفة متناحرة. تدمير سوريا لم يكن مجرد إزاحة لنظام سياسي معين، بل تدميرًا لدولة محورية كانت تشكل القلب النابض للمقاومة ضد المشروع الإسرائيلي في المنطقة.

المعادلة الصفرية: سوريا مقابل إسرائيل

ما نشهده اليوم هو تطبيق عملي لنظرية المؤامرة التي طالما تم التشكيك بها. إضعاف سوريا وتقسيمها إلى دويلات متناحرة، يعني بالضرورة تعزيز قوة إسرائيل وتمكينها من تنفيذ مشروع “إسرائيل الكبرى”.

الخطة ذات ثلاثة أبعاد متكاملة:

  • عسكريًا: تدمير القدرات العسكرية السورية وتشتت الجيش.
  • اقتصاديًا: السيطرة على الموارد الاستراتيجية وإفقار السكان.
  • ديموغرافيًا: تهجير السكان الأصليين وإحداث تغيير ديموغرافي.

في النهاية، ليست المعركة على سوريا سوى معركة على مستقبل الشرق الأوسط برمته. من يسيطر على الكوارتز السيليكوني السوري، سيتحكم بصناعة التكنولوجيا المستقبلية. ومن يتحكم بالتكنولوجيا، يتحكم بالعالم.

الصحوة الأخيرة قبل السقوط

أمام هذه الحقائق الصادمة، يقف السوريون والعرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للمشروع الإسرائيلي وما يتبعه من تحول المنطقة إلى مستعمرات تكنولوجية تابعة، أو إعادة توحيد الصفوف والمقاومة. لن تجدي المناشدات الأخلاقية، ولن ينقذ المنطقة سوى وعي شعوبها بالثروات الحقيقية التي تملكها، والدفاع عنها كمصير وجودي. سباق المعادن الاستراتيجية قد بدأ، وسوريا هي ساحته الرئيسية.

والسؤال الملح: هل يعي العرب قيمة ما يملكون، أم سيستمرون في تسليم ثرواتهم إلى مشاريع الهيمنة الخارجية، واحدة تلو الأخرى؟

لا شك أن المنطقة تقف على مفترق طرق تاريخي. إما تعيد اكتشاف ثرواتها وتستعيد السيطرة عليها، أو تستمر في دور الضحية في مسرحية كتبت فصولها قبل عقود، وها نحن نشهد تطبيقها حرفيًا على أرض الواقع.

أيها العرب، قاتلوا بأسنانكم وأظفاركم مشروع إسرائيل! من لم يشعل نار المقاومة اليوم، فقد دفن شرف العروبة حيًا، وخان وعد الله قبل خيانة الأرض! ليس بعد الآن، إلا دمٌ أو دمعٌ… فاختاروا!

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

إيران تعدم السجين السياسي الكردي حميد حسين نجاد

أخباركم ــ أخبارنا أعدمت السلطات الإيرانية فجر أمس، حكم الإعدام بحق السجين السياسي...

اسرائيل توسع نشاط اغتيالاتها نحو بيروت وتستهدف سيارة قرب الدامور .. وأخرى في الحنية .. والنتيجة قتيلان من الحزب والجماعة الاسلامية

أخباركم - أخبارنا/ تقرير لبنان الميداني في صباح يوم الثلاثاء، استيقظ لبنان على وقع غارة...

اغتيال الشيخ حسين عطوي: الجماعة الإسلامية تحت النار… وماذا بعد؟

استهداف قيادي بارز يفتح الباب أمام أسئلة خطرة حول السلاح، ودور الجماعة في المواجهة...

ماذا بين الجيش وحماس؟

خاص: أخباركم - أخبارنا اكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ"أخباركم أخبارنا" ان الجيش اللبناني يواصل...

More like this

وداعًا لراعي الفقراء… البابا فرنسيس يترجل عن منبر الإنسانية .. قادة العالم ينعونه ويشيدون بإرثه الإنساني!

✍️ بقلم: جميل نعمة – أخباركم / أخبارنا في لحظة مؤثرة من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية...

برحيل البابا فرنسيس: هل سيتراجع صوت السلام بوصول بابا “ترامبي”؟!

أخباركم - أخبارنا/ الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحيم التوراني خلفت وفاة البابا فرنسيس، بابا...

المدن كالنساء… لكلٍّ جمالها، ولكلٍّ سرّها .. ما بين بيروت ونابلس بعيون أم زهير و بافيا!

أخباركم - أخبارنا/ بقلم: مسعود محمد الى رفاقي وأصدقائي في المنفى .. الى حسين...