أخباركم – أخبارنا/ مروان أبي سمرا
منذ الأمس لم تفارقني مأساة الكاتبة والناشطة السورية هنادي زحلوط التي فقدت أشقاءها الثلاثة في مجزرة قرية “صنوبر جبلة” العلوية في الساحل السوري. لقد أُعدِم أشقاؤها وشباب القرية جميعاً إعداماً ميدانياً بدم بارد، فقط لأنهم علويون. وهنادي زحلوط نفسها كانت قد اعتقلت وسجنت وعذبت في بداية الثورة السورية. وكما يروي الكاتب السوري جولان حجي في كتاب “إلى أنْ قامت الحرب، نساء في الثورة السورية”، فإن هنادي عُنّفت في المعتقل تعنيفاً مضاعفاً لأنها من قرية علوية في جبال الساحل. بل أن التعنيف أتاها من كل حدب وصوب، فقريتها نفسها تبرّأت منها. وعندما اقتيدت إلى المحاكمة في المجلس العدلي، هاجمتها قريبتها، المحامية المنتظرة أمام البوّابة، وضربتها، ثأراً من الفضيحة باقتلاع شعر رأسها، وشتمتها: يا عاهرة، تريدين أنْ تعارضي النظام، و”صرماية” بشار الأسد تساوي عائلتك كلّها؟
ربما لم تفارقني مأساة هنادي لأنها أعادتني إلى المأساة التي عاشها بعض أصدقائي اليساريين المسيحيين في حروبنا اللبنانية المتناسلة. هل يمكننا في لبنان تقدير عدد المسيحيين اليساريين الذين قتلوا في “بيروت الغربية” لأنهم مسيحيون، أولئك الذين قتلوا في” بيروت الشرقية” لأنهم يساريون “خونة”؟
لم تفارقني منذ الأمس صورة صديقي إيلي الذي فقدته في حرب السنتين. كم من المرات جرى توقيف إيلي واعتقاله في بيروت الغربية بصفته صيداً ثميناً؟! فإيلي لم يكن مسيحياً فقط وإنما مارونياً أيضاً، بل أن جرمه الماروني كان مضاعفاً، فقد كان من بلدة الكحالة. وان تكون مارونياً من الكحالة في المخيلة الطائفية يومها، كان شبيها بأن تكون اليوم في سوريا علوياً من القرداحة. وفي أحدى المرات لم تشفع لإيلي اسماء وأرقام تلفونات كوادر وقيادات في أحزاب يسارية ومنظمات فلسطينية، فاعتقلته إحدي الميليشيات التي كانت شبيهة بشعار “لا للطائفية، نعم للإسلاَم”، وضربته وعذبته ولم ينج من براثنها إلا بأعجوبة. لست أدري حقا ما الذي في نهاية المطاف دفع إيلي، وبإصرار غريب، للعودة إلى الكحالة في بدايات العام ١٩٧٦، على الرغم من معرفته جيدا أنه سيكون فيها مهددا وملاحقاً بصفته يسارياً بل و”عميلاً” للفلسطينيين. ربما كان يعتقد أن أسرته وموقعها الاجتماعي المحلي سيحميانه من التعديات والَمضايقات.
لكن لم يكن قد مضى أكثر من شهر على عودة إيلي الزغبي إلى الكحالة حين اختطفته من البيت العائلي إحدى الميليشيات، ثم “صفّته” بدم بارد بوصفه “عميلاً للغرباء”، وأعادت جثته إلى أسرته وأجبرتها على الإعلان بأنه قتل بقصف مدفعي من بيروت الغربية استهدف الكحالة.
أنها لعنتنا الطائفية القاتلة، بالأمس (؟) في لبنان، واليوم في سوريا.