أخباركم – أخبارنا
حاورته: فاطمة حوحو
هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة التي يدرك أهميتها كثيرون من السوريين المعارضين الذين عانوا من بطش النظام، وفضحوا جرائمه على أمل أن يستطيعوا تحقيق حلم الكرامة والحرية. وهم اليوم، بعد هروب بشار الأسد وتسلم أحمد الشرع السلطة، وإن فرحوا بسقوط الأسد، يحملون ضمناً خوفاً من تحكم سوريا من أصوليات دينية تسعى إلى الإنتقام، على عكس محاولات الرئيس الجديد تطمين الأقليات ببراغماتيته وإعادة البلاد إلى سكة النهوض، وسط مطالبات شعبية بتحقيق العدالة وبحكم مدني لا ديني وإنقاذ سوريا من مخططات التقسيم، إضافة إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية وهموم المواطن في عيشه اليومي.
جاءت أحداث الساحل السوري لتشيّع الخوف في النفوس بعد مجازر ارتكبت بحق العلويين والمسيحيين، وظهرت السلطة محرجة أمام ما تمّ تداوله عبر الإعلام، فيما خرجت مطالبات بالمحاسبة وحتى باجراء تحقيق دولي، ودخلت دول على الخط، لا سيما إسرائيل التي تستفيد من مشهد الفوضى وترسخ اقدامها بعد ادعاء حماية الدروز والأكراد.
عن هذه الأمور وغيرها، حاور موقعنا المعارض السوري الكاتب الصحافي بشار عبود، الناشط في “تيار مواطنة”.
أين ذهبت الفرقة الرابعة؟
* هل ما جرى في الساحل السوري كان متوقعاً له أن يحصل ولماذا؟ هل هو انقلاب أم استقواء من السلطة الجديدة على طائفة العلويين، كيف تقرأ المشهد؟
– نعم، كان متوقعاً، فبعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الثاني/ديسمبر، بهذه السرعة والسهولة اللتين شهدناهما وسيتذكرهما السوريون للسيد أحمد الشرع كثيراً. لم تسفك فيها دماء السوريين، لكن في المقابل، ذابت في لحظة سقوط النظام قوات الجيش وعلى رأسها الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري برئاسة ماهر الأسد، علماً أن هذه الفرقة كانت مُدرّبة ومُجهّزة بأفضل أنواع الأسلحة. أين اختفت مع أسلحتها؟ لا أحد يعلم.
كما أن تأثير الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران لا يزال حاضراً في المشهد السوري، خصوصاً وأن إيران التي دفعت أموالاً طائلة في دعمها للرئيس المخلوع، وقدمت العديد من رجالاتها في سبيل ترسيخ حضورها في المشهد السوري على مدى السنوات الماضية بهدف تحقيق حلم الهلال الشيعي، لن تتخلّى عما دفعته بسهولة. فإيران ستعمل على استغلال أي حالة ضعف في المشهد السوري كي تستثمرها لصالح زعزعة الاستقرار، لا سيما وأننا لا نزال أمام دولة سورية في صدد النشوء، وهي لا تزال هشّة ويمكن اختراق المشهد فيها بسهولة. بالتأكيد، هناك حضور إيراني لتفجير الوضع في الساحل، لكن هذا لا يمكن أن يتواجد لولا ضعف الساحة الداخلية للدولة السورية.
أما عن سؤالك عما اذا كانت محاولة استقواء للسلطة الجديدة على العلويين، فهذا أمر لا أعتقد أنه تم التفكير فيه، لأنه لو كان الأمر كذلك، لكان حريّاً بها أن تحصل لحظة إسقاطها لنظام الأسد، لكنها لم تفعل، بل قدم الشرع خطابات مطمئنة لكل السوريين. إذاً، لماذا سيقوم بمثل هذا الاستقواء على العلويين بعد مرور ثلاثة أشهر؟ لا أعتقد أن هذا كان ضمن حساباته، فضلاً عن أنه غير مجد. لا بل على العكس، كاد أن يتسبب بخسارة كل النجاحات التي تحققت للإدارة الجديدة منذ لحظة إسقاطها لنظام الأسد وإلى الآن.
لا يمكن نقل تجربة إدلب إلى دمشق
* السلطة الجديدة أعلنت الانتهاء من عمليتها في الساحل فهل انتهت فعلياً ام هي مرشحة للانفجار من جديد خصوصاً وان عوامل ذلك متوافرة بعد المجازر التي حصلت من كلا الجانبين، وعدم وضوح كيف ستجري المحاسبة الموعودة من قبل السلطة الجديدة التي اهتزت صورتها رغم الدعم العربي والخارجي؟
– دعيني أقول لك بأن الإدارة الجديدة لسوريا لا تُحسد على وضعها الراهن، فهي بالإضافة إلى التركة الثقيلة التي ورثتها من النظام السابق، تقع تحت تأثيرات خارجية عديدة، بالإضافة إلى مساهمتها بإضعاف نفسها عبر اعتمادها على لون واحد في مجتمع متنوع مثل المجتمع السوري. وهي بكل تأكيد لا تستطيع نقل تجربتها في إدلب إلى دمشق، فهنا الوضع مختلف. لذلك إن لم تتنبّه إلى مثل هذه النواقص سيكون الوضع قابلاً للانفجار دائماً، لا سيما في ظل المتربّصين بالخارج.
من وجهة نظري، أرى أنه لا سبيل أمام الإدارة الجديدة سوى البدء جدياً بتنويع إدارة الدولة من أبناء الشعب السوري، وإعادة الناس إلى وظائفهم ريثما تستقر الأوضاع. مع الجوع كل شيء سيكون قابلاً للانفجار. أنا أرى أنه لا يزال ممكناً تجاوز الخسارات من خلال تغليب الحل السياسي، والسماح بتأسيس الأحزاب السياسية، والسماح بحرية الرأي، وسحب الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، والأهم إجراء محاسبة علنية لكل من تلطخت يداه بدماء أبناء الساحل.
إذا تم تدارك هذه الأمور من خلال ترجيح كفة العقل والحكمة، أعتقد يمكنها أن تساعد في البدء جدياً ببناء الدولة. أنا شخصياً مع الاستقرار لأن البديل سيكون كارثياً في حال وقع، أي إذا سقطت الحكومة الحالية، فنحن لا نريد مثل هذا السيناريو لبلدنا. علينا تغليب الحكمة والعقل السياسي على أي خطاب شعبوي يساهم في تفتيت ما تبقى من أسس الدولة السورية.
ما جرى في الساحل ليس في صالح السلطة
* هل تشرح لنا طبيعة منطقة الساحل باهلها واقتصادها واهميتها الجغرافية والسياسية، ما هو تقديرك لما قيل ان ما حصل محاولة انقلاب مدعوم من إيران وميليشياتها وربما من روسيا؟
– الساحل السوري منطقة زراعية وسياحية وأيضاً هي المصدر الوحيد لإنتاج الثروة السمكية في البلد. نظام الأسد السابق، تعمّد بشكل ممنهج إلى إفقار هذه المنطقة لجعل أبنائها خزان وقود له ولحكمه. نظام الأسد همّش هذه المنطقة بالكامل، ومنع عنها أي فرصة للعيش الكريم بعيداً عن العمل في مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والأمن. وبالتالي هذه المنطقة على أهميتها من النواحي الزراعية والسياحية، تضم مناطق جبلية وسهولاً وأنهاراً، لكن مع الأسف لم تتم الاستفادة منها في أي من هذه النواحي وبقيت مهمشة إلى الآن.
أبناء الساحل اهتموا بالعلم ودخول الجامعات إلى جانب دخولهم في مؤسسات الأمن والجيش. لذلك، من الطبيعي أن يلجأ خريجو الجامعات إلى العمل في مؤسسات الدولة. إذاً، ظل أبناء هذه المنطقة محصورين بمؤسسات الدولة والتوظيف فيها. أما عن سؤالك حول انقلاب مدعوم من إيران وروسيا، فأظن أن التسمية الأقرب لذلك هو زعزعة لاستقرار الحكم الجديد أكثر من كونه انقلاباً لأن الانقلاب يكون في العاصمة وليس في الساحل. نحن نعلم أن الإدارة الجديدة مراقبة من قبل المجتمع الدولي والإقليمي حالياً، وعدد من الدول العربية والدولية والإقليمية يراقب كيف تتصرّف حكومة الشرع بشكل عملي. لكن هذ الانفتاح لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه اعتراف كامل بالحكومة الحالية، لأن مثل هذا الاعتراف لن يتم بغير شروط، ولا أعتقد أن ما حدث في الساحل سوف يساهم في تسهيل شروط الاعتراف. لذلك، لا أعتقد أن ما حدث في قرى وبلدات الساحل السوري كان في صالح الحكومة الحالية. المجتمع الدولي يراقب، والمجتمع الإقليمي يراقب، وهذا يفرض نمطاً جديداً من التفكير في إدارة البلاد. هذا ما أرجوه، لأن سقوط الحكومة الحالية سيكون كارثياً على الجميع.
لحظة حاسمة ومصيرية
* كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين المواطنين السوريين وما أهمية المصالحة الوطنية؟
– بداية، لا بد من القول بأنه لا بديل عن المصالحة الوطنية، ولا شك في أن اللحظة التي نعيشها الآن في سوريا هي لحظة حاسمة ومفصلية في تاريخ البلد. لذلك، لا بد من العمل سريعاً على إعادة الثقة بين المواطنين والحكومة الحالية، وهذا لن يتم إلا من خلال العديد من البنود الأساسية، أهمها: إخراج جميع الفصائل الأجنبية المسلحة ليس فقط من الساحل وإنما من كل سوريا، إعادة الموظفين إلى عملهم مع فتح باب التطوع لأبناء الساحل، مع تعيين قيادات عسكرية مؤهلة من أبناء المنطقة للمساهمة في ضبط الأمن والاستقرار، وأيضاً إلقاء القبض على كل من ارتكب أعمالًا انتقامية وإجراء محاكمات علنية له، سواء كانوا من الكتائب أو غيرهم، والسماح بإنشاء إعلام مهني دقيق ووطني قادر على المحاسبة والكشف عن القصور، مع إجراء تغييرات مفصلية وكبيرة في الحكومة الحالية مع إقالة عدد كبير من المسؤولين الأمنيين الذين تسببوا في الأحداث الأخيرة. أظن أن هذه بعض القضايا التي يمكن أن تمهد لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والإدارة الجديدة.
على المقاتلين الإسلاميين مغادرة سوريا
* هل هناك فعلاً اعداد من المقاتلين من دول اسلامية قاتلت الى جانب القوى الامنية وقامت بالمجازر الطائفية؟
– بكل تأكيد، وهذا باعتراف الإدارة الجديدة. لذلك لا سبيل إلا لمغادرة كل هؤلاء أراضي الجمهورية السورية.
سيبنى الكثير على إتفاق الشرع – عبدي
* هل ستنتقل الفتنة الى مناطق سورية أخرى خصوصاً في المناطق الكردية والدرزية حيث الحساسيات معروفة والخلافات ظاهرة لا سيما وأن المؤتمر الوطني لم يحقق الهدف المنشود في رسم خارطة طريق جامعة؟
– لا أعتقد أن الفتنة ستنتقل إلى مناطق أخرى في سوريا، خصوصاً في ظل الاتفاق التاريخي الكبير الذي جرى توقيعه بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي. هذا الاتفاق سيبنى عليه الكثير من أجل ترسيخ السلم الأهلي والوحدة الوطنية، حيث تشكل بنود هذا الاتفاق دعائم أساسية لبناء الدولة الجديدة.
حل سياسي ودستور
* كيف سيواجه الشرع التحديات الكبيرة وهل ينجح في تجاوز المشكلات التي تظهر يوميا؟
– لا سبيل إلى تجاوز هذه التحدّيات إلاّ عبر حلّ سياسي يقوده الرئيس أحمد الشرع شخصياً. أعتقد أن توقيع الاتفاق التاريخي مع قائد سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي سيكون واحداً من الأسس الكبيرة التي سوف تستند إليها إدارة الشرع في تخطي الكثير من الصعوبات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى السياسي، وقريباً سنلاحظ أثر هذا الاتفاق الكبير على مستوى الوطن السوري ككل. بعدها أظن أن الرئيس الشرع سيقوم بتحييد السلاح وضبطه في أضيق نطاق ممكن، بحيث تكمن شرعيته بيد الدولة وإطلاق عجلة بناء البلد من خلال دستور يؤكد على مرتكزات أساسية مثل وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، على أسس وطنية ديمقراطية، وإشراك السوريين في بناء مستقبل بلدهم. ثم عليه أن يلتفت إلى دول المنطقة، والعمل معها من أجل المشاركة معها في ضمان أمنها وأمن شعوبها.