كتب ابراهيم بيرم: فيما كانت كل القوى في بيروت تستشعر بأن “حماوة” الحديث عن الاستحقاق الرئاسي قد بردت اخيراً في اعقاب بيان خماسيّة الدول المعنية بالشأن اللبناني، وبعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص الى لبنان، والتي اعطى فيها اللبنانيين مهلة زمنية تنتهي مبدئياً في نهاية ايلول المقبل لكي يتوافقوا على تسوية ما اساسها بيان لقاء الدوحة تنتج رئيساً يملأ الشغور الحاصل، يطلق نائب رئيس مجلس النواب الياس ابو صعب موقفاً مثيراً، اعاد فيه تحريك الركود في بحيرة هذه المسألة الفارضة نفسها على اللبنانيين جميعاً منذ نحو عشرة اشهر.
فمِن على منبر عين التينة، وبعد لقاء اجراه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ادلى أبو صعب العضو في تكتل لبنان القوي الذي يترأسه جبران باسيل، بتصريح قال فيه انه ما لم تنجز القوى اتفاقاً حول الملف الرئاسي “فيتعيّن علينا كنواب ان نفكر جدياً في اجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأنه من غير الجائز لنا كنواب ان نجلس كشهود لثلاث سنوات اخرى من دون أن ننتخب رئيساً”.
ليست المرة الاولى التي يطلق فيها ابو صعب مثل هذه الفكرة ويدعو اليها، اذ سبق ان دعا اليها قبل نحو اربعة اشهر، لكنها قوبلت بردود فعل رافضة ومستنكرة من جهات وكتل عدة، فاضطر الرجل حينها الى طيّ صفحة هذه الدعوة، لا سيما وقد حوصر باتهامات شتى منها انه ينطق بلسان سيده الرئيس بري، وكان الظن انه لن يعود الى عرضها مجدداً.
وعليه، فان السؤال المطروح بالحاح، لماذا يعود ابو صعب الى استعادة هذا الشعار مع علمه المسبق بأن ثمة اعتراضات وعراقيل تمنع تسويقه او حتى التداول الجدي فيه. فالمعلوم انه لم يسبق لمجلس نواب لبناني ان اتخذ قراراً بحل نفسه على الرغم من العدد الكبير للازمات التي تستدعي مثل هذا الاجراء؟
ثمة من يقول بأن ابو صعب الذي قاد في مرحلة غير بعيدة وساطة سياسية مع الاطراف الاساسية كافة، بحثاً عن مخرج لأزمة الشغور الرئاسي، يعلم ذلك علم اليقين أنه لن ينجح في مسعاه. ومع ذلك فهو يعود الى طرح هذه الفكرة -الاشكالية- لغايات ابعد من تنفيذها. اذ ثمة من يرى ان هذه الدعوة موجهة ضمناً اكثر ما يكون الى ثلاثة مكونات اساسية مسيحية، ابرزها التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وقوى التغيير.
بمعنى آخر، انها رسالة ضغط وتهويل وتحد لهذه القوى التي تعلم ان حصتها في مجلس النواب الحالي هي “حصة منفوخة” ولن تتكرر في اي جولة انتخاب مقبلة.
واستطراداً، فان العودة الى طرح هذه الفكرة مجدداً هو بمثابة عامل ضغط اضافي على كل الفريق الذي يبدي اعتراضاً على ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لسدة الرئاسة الاولى، فضلاً عن انها برهان على ان ثمة فريقاً في البلد ما زال يملك القدرة على التحريك واخذ المبادرة.
وفي كل الاحوال، سيكون هذا الموقف المتجدد عنصراً مضافاً من عناصر الانقسام الحاصل وعاملاً من عوامل رفع منسوب السجال الداخلي في مرحلة يعرف الجميع ان ما من فرصة قريبة لانتخاب رئيس، وان على كل طرف ان يعزز اوراقه ومواقعه انتظاراً لساعة الحل.