أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
أعلنت “هيئة تحرير الشام”، التي يقودها أحمد الجولاني، عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة للتحقيق في الهجمات والجرائم التي ارتكبتها جماعته في مناطق الساحل السوري. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تبدو بمثابة محاولات لإظهار الالتزام بالعدالة والمسؤولية، تثار العديد من التساؤلات بشأن مصداقية هذه اللجنة وقدرتها على التحقيق بنزاهة وحيادية. فكيف يمكن أن تقوم لجنة تم تعيينها من قبل الجولاني نفسه بالتحقيق مع أعوانه وأفراد جماعته الذين يعتبرون جزءًا من الهيكل القيادي والتنظيمي الذي يقوده؟
أولاً، يتعين أن نأخذ في الاعتبار أنه من المستبعد أن يكون التحقيق الذي تجريه هذه اللجنة شفافًا، وذلك بالنظر إلى الظروف المعقدة التي تحيط بمجموعات مثل “هيئة تحرير الشام”. فالجولاني، الذي كان جزءًا من تنظيم “القاعدة” في سوريا، قد بنى تحالفات مع مجموعة من الميليشيات والجماعات الإسلامية الأخرى التي لها تأثير كبير في المشهد السوري، مثل جماعات تابعة للثوار الإسلاميين والفصائل التي تدعمها تركيا. تلك الجماعات، رغم تباين أجنداتها وأهدافها، تشترك في بعض النقاط الفكرية والتنظيمية التي تخلق شبكة من المصالح المتشابكة، مما يجعل من الصعب على لجنة التحقيق المزعومة محاسبة الأشخاص أو الجماعات المتورطة بشكل كامل.
ارتباط المجموعات الإسلامية ببعضها البعض
من خلال تاريخ الحرب في سوريا، يلاحظ وجود تقاطع كبير بين المجموعات الإسلامية المتطرفة والميليشيات المسلحة، سواء كان ذلك في الجانب السوري أو الإقليمي. قد تكون “هيئة تحرير الشام” على سبيل المثال، قد تحالفت مع فصائل أخرى في إطار محاربة النظام السوري، لكنها في ذات الوقت لديها علاقات مع قوى إقليمية ودولية مختلفة. بعض المجموعات الإسلامية الأخرى، مثل جماعة “حراس الدين” و”داعش”، التي نشأت على خلفية أفكار مشابهة للأيديولوجيا التي يتبناها الجولاني، تربطها علاقات وثيقة بالقاعدة وتنظيمات أخرى تعمل تحت لواء الإسلام السياسي المتطرف.
هذه الشبكات المتشابكة من المجموعات الإسلامية تجعل من التحقيق في جرائم ارتكبت داخل صفوف هذه المجموعات أمرًا صعبًا للغاية، لأنه قد يكون هناك تبادل للمصالح والموارد بين هذه الجماعات. على سبيل المثال، تسهل بعض الفصائل عمليات انتقال المقاتلين عبر الحدود في مناطق مختلفة من سوريا، ما يساعد على إنشاء مناطق نفوذ مشتركة. علاوة على ذلك، تمتد هذه الشبكات إلى الخارج، حيث تتقاطع المصالح مع بعض القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك تركيا وقطر والسعودية.
هل يمكن تحقيق العدالة مع نفس المجموعة؟
تشكيل لجنة التحقيق من قبل الجولاني نفسه يثير تساؤلات جدية بشأن قدرة اللجنة على التحقيق بحيادية وعدل. فالجولاني نفسه كان جزءًا من النظام الذي ساهم في العديد من العمليات العسكرية والسياسية في شمال سوريا، بما في ذلك الهجمات ضد المدنيين، ما يجعل من الصعب تصديق أن لجنة تحت إشرافه يمكن أن تكون مستقلة أو نزيهة. ومع ارتباطه بالعديد من المجموعات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك التعاون مع الفصائل الموالية لتركيا، يبدو أن التحقيق سيكون محكومًا بمصالح هذه الفصائل، مما يضعف من إمكانية تحقيق العدالة.
التحديات المستقبلية لهذه اللجنة
من أكبر التحديات التي قد تواجه هذه اللجنة هو عدم وجود آليات مستقلة لتحقيق العدالة في مناطق النزاع السوري. فالنظام السوري نفسه لا يلتزم بمعايير حقوق الإنسان أو العدالة الدولية في محاكمة المجرمين. ووجود جماعات مثل “هيئة تحرير الشام” في مناطق شمال غرب سوريا، التي تخضع لسيطرة الجولاني، يجعل من المستحيل تقريبًا إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة. أيضًا، قد يتعرض المحققون أو الشهود الذين يحاولون تقديم أدلة ضد أعضاء الهيئة للتهديد أو الانتقام.
من جهة أخرى، قد تقتصر التحقيقات على تقديم صورة إيجابية عن الجولاني ومنظمة “هيئة تحرير الشام”، ما قد يساعد على تحسين صورتهم على الساحة الدولية أو الإقليمية. لذا، فإنه من غير المرجح أن تتوصل لجنة تحقيق كهذه إلى نتائج ذات مصداقية فيما يتعلق بمحاسبة الجناة الحقيقيين في هذه الجرائم.
رغم أن تشكيل لجنة تحقيق من قبل الجولاني قد يُنظر إليه على أنه خطوة نحو معالجة الجرائم والفساد داخل صفوف “هيئة تحرير الشام”، فإن الحقيقة هي أن هذه اللجنة ليست مستقلة ولا تملك القدرة على التحقيق بعدل مع نفسها. والسبب يكمن في ارتباط الجولاني والهيئة بعدد من المجموعات الإسلامية الأخرى، وكذلك في تداخل المصالح السياسية والعسكرية. وبالتالي، من غير المحتمل أن تُحقق اللجنة العدالة الحقيقية، مما يجعل من الضروري وجود آليات دولية ومستقلة للتعامل مع الجرائم والانتهاكات في سوريا.