كتب حنا صالح في صبيحة اليوم الـ 1974 على بدء ثورة الكرامة
“سلملي ع الآلية ومجلس الخدمة المدنية”، عبارة رددها على مسامعي وزير قديم وسياسي يعرف كيف تطبخ القرارات، مع تعديلات جزئية يفرضها بعض المرات تحسن مواقع طرف ضمن المنظومة. بالتأكيد هناك تغيير معين مرتبط بوجود رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكلاهما وصلا رغم أنف منظومة التسلط، لكن حجم المحاصصة الطائفية في الحكومة سيماثله الحجم إياه أو أكبر في التعيينات(..).
ثقيلة قبضة الكارتل المصرفي السياسي على البلد، لذلك الأسماء المرشحة لموقع حاكم المركزي، وهو الموقع الأهم والأشد تأثيراً على كل المسار اللاحق، تدور بفلك هذا الكارتل الناهب والفوارق بين الأسماء لا تذكر(..)، أما كل ما هو متعلق بالتعيينات فسيمر عبر “التشاور”، ويعرف رئيس الحكومة أن “التشاور” ممر ل”الخط العسكري” للتعيينات، وخلافاً لما نُقل عنه منذ أيام فكثير من الأسماء ستعرض على مجلس الوزراء لتثبيت “التفاهم” عليها!
قالت “النهار” اليوم بعدما وصفت التطور المستجد جنوباً بأنه “نقلة نوعية كبيرة تولتها الولايات المتحدة لمنع تفاقم الأمورمجدداً على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية بما يسلح العهد والحكومة في لبنان بجرعة دعم قوية”( وهذا أمر يتطلب وقفة متأنية حيال ما حملته الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لبدء مرحلة تفاوض ديبلوماسي سياسي)..فإن “تطوراً إيجابياً آخر سجل في الساعات الأخيرة وتمثل في إتفاق الرؤساء الثلاثة على التعيينات العسكرية والأمنية الكبيرة”.. وقبل أن يتم عرض الأسماء على مجلس الوزراء أقله لأخذ العلم والخبر، بدأت على وسائل التواصل الإجتماعي التهاني للبعض ممن تم الإتفاق عليهم، وبينها توزيع فيدو للعميد حسن شقير مشاركاً في إحتفال حزبي لحركة أمل! ولا يبدو أن أي جهة صاحبة قرار توقفت ملياً عند الملفات لتحاول فصل الخيط الأسود عن الرمادي أو الأبيض. هنا يستطرد السياسي المخضرم: عادة يتم تقييم أي مرحلة بعد مرور 100 يوم، والوقت كالسيف، لقد مرّ أكثر من 60 يوماً على إنتخاب رئيس الجمهورية، وأكثر من نصف هذه المدة على تأليف الحكومة ولتاريخه لم تسقط ورقة بعد من العفن والفجور المنفلت على اللبنانيين!
مرة أخرى ينبغي التأكيد أن البلد يمر في مرحلة تاريخية إثر الزلزال الذي ضرب لبنان وفلسطين وبالأخص سوريا، لكن ما يجري في لبنان يشي بضغط كبير لمحاصرة رياح التغيير، فقوى النظام الطائفي ومنظومته المتسلطة، أي كل التحالف المافياوي السياسي المصرفي الميليشياوي مستنفر لإبقاء قبضته على المؤسسات والإدارة، والخشية جدية أن تترك أمور البلد والناس الموجوعة والمنهوبة في عهدة المتسلطين إياهم مع تغيير طفيف في الوجوه ليستمر إبعاد الكفاءات وتعليق العدالة وتغييب المساواة. وأليس لافتاً ما يردده العامة من الناس الذين يقولون: سقط نظام الإستبداد الأسدي في دمشق، وإنكسر المشروع الإيراني وإنكفأ، لكن بعض ودائعهم مع شبكة تحالفاتهم ضمن نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، تعزز مواقعها في السلطة والإدارة والمؤسسات!
أما الأحاديث الرسمية شبه اليومية، عن وضع الأكفاء في المراكز التي يستحقونها بمعزل عن إنتماءتهم الطائفية والسياسية، فيبدو أن ترجمة ذلك ليست قريباً بل متأخرة جداً. هذه الترجمة ممكنة فقط إن أحسنت قوى التغيير بلورة الرؤية السياسية والإقتصادية والإجتماعية لها في “برنامج حكم” تحمله قوى التغيير، يصقل قوتها ووحدة تنظيمها، لتتقدم على أساسه من اللبنانيين كخيار بديل تطلب ثقة الناخبين في الإنتخابات العامة 2026، ساعية إلى إيصال كتلة نيابية وازنة مستندة إلى “برنامج الحكم” الملموس، ليكون ممكناً إنبثاق السلطة التنفيذية المرتجاة القادرة على وضع أحلام الناس موضع التنفيذ: قيام دولة طبيعية عادلة مستندة إلى الدستور، يخضع فيها الجميع للقانون وللمساءلة والمحاسبة الشفافة وتصان الحريات ويقوم الإعلام بدوره الحقيقي في تقديم خدمة عامة وتطوى صفحة البلطجة الإعلامية خدمة للفجور وتغطية للفساد!