كتب جورج حايك: شهد لبنان منذ يومين ما بدا انتقالاً سلساً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى نائبه وسيم منصوري، وباتت الأنظار موجّهة إلى الأخير الذي لا شك أنه استلم كرة النار في ظل أزمة مالية واقتصادية وسياسية خطيرة يتخبّط بها لبنان، وسيقوم منصوري بأعمال الحاكم، بالتعاون مع نواب رئيس المركزي على نحو مؤقت حتى تعيين حاكم جديد. فيما كانَ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة يودّع مكتبه في الحمرا ، كانَ نوابه، وعلى رأسهم وسيم منصوري، يحاولون تكريس قواعد جديدة للتعامل النقدي بين الحكومة والمصرف المركزي، في محاولة لإعادة القطار المالي إلى سكة قانون النقد والتسليف الذي تجاوزه سلامة طيلة ثلاثين عاماً على قاعدة عدم المس بالاحتياطي او صرف اي مبلغ خارج القانون.
إلا أن الحكومة لم تنتظر كثيراً كي تخلع عنها مسؤولية تأمين تغطية المس بالإحتياطي الإلزامي عبر مشروع قانون صادر عنها، ولم يتأخر رئيسها نجيب ميقاتي في التخلي عن نواب الحاكم، والتهرب من تقديم مشروع قانون قانون الإقتراض بالعملات الأجنبية، والضغط على عدد من أعضاء المجلس النيابي للتقدم باقتراح قانون في هذا الشأن، متذرعا بأن «المادة الرابعة من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء تنصّ على وجوب إرسال مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية قبل أسبوع على الأقل من مناقشتها في مجلس الوزراء» كما صرّح بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء أمس. واعتبر الرئيس بري بموجب ما حصل ان ميقاتي تخلى عن تعداته لمنصوري في اليوم الأول لحاكميته.
لكن كثر يتساءلون من هو وسيم منصوري؟
عيّن منصوري نائباً أول لحاكم مصرف لبنان في 11 حزيران 2020، إبان عهد الحكومة التي ترأسها حسان دياب، بدعم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي تربطه بمنصوري صلة قرابة عائلية.
نال إجازة في الحقوق من جامعة مونبيلييه في فرنسا ثم تخصص في القانون الدستوري وحصل على دكتوراه في القانون العام، كما حاز دبلوم دراسات عليا في القانون الشامل من الجامعة ذاتها، وهو صاحب ومدير مكتب “منصوري وشركاه” للمحاماة، وعضو الشعبة الوطنية لمحكمة التحكيم الدائمة.
يتحدر وسيم منصوري (51 سنة) من بلدة عيترون الجنوبية، شيعي، وهو ابن بيئة “حركة أمل”، وكان سابقاً الوكيل القانوني لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ومستشاراً لوزير المال السابق علي حسن خليل، وعمل أيضاً أستاذاً متفرغاً بكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية.
ذاع صيته خلال توليه قضية ضد حرية التعبير في وجه المتظاهر صلاح نور الدين، الذي رفع لافتة في الحراك المدني في عام 2015 تحمل صورة كل من بري ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، وكتب عليها “رؤوس الإجرام والفساد والسرقة”.
تولى منصوري في عام 2019 منصب المدير المؤقت للفرع الفرنسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، وحاز الوسام الأعلى لجمهورية غينيا الاستوائية من قبل رئيسها في عام 2018.
سبق انتقال حاكمية مصرف لبنان إلى وسيم منصوري، زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة الأميركية، التقى خلالها مسؤولين هناك للتعارف واستكمال العلاقة القائمة بين “مصرف لبنان” و”الاحتياطي الفدرالي الأميركي” (المصرف المركزي الأميركي)، إذ تحرص الولايات المتحدة دائماً على ضمان أن يطبق “المركزي اللبناني” إجراءات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتركت هذه الزيارة أثراً طيباً لدى الأميركيين وبات منصوري على اطلاع بآلية التواصل المباشر مع “الاحتياطي الفدرالي” في أميركا والخطوط الحمر بالنسبة إلى العمليات المالية الخطيرة الواجب الإبلاغ عنها وإيقافها لا سيما تلك المرتبطة بالمنظمات المصنفة إرهابية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو الأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات.
أما اطلالته الاعلامية الأولى فكانت موفّقة لجهة كلامه عن عدم جواز المسّ بالتوظيفات الإلزاميّة تحت أيّ مسمّى أو ذريعة، وأنّ الحلّ في السياسة الماليّة للحكومة، وضرورة وقف تمويل هذه الحكومة خارج الإطار القانوني، كما تزويد النواب بالأرقام والمعلومات، واستحالة أن يستمرّ البلد من دون إصلاحات جديّة، والقضاء على التلاعب بسعر الصّرف، والتعهُّد بالشفافيّة الكاملة، وفصل السياسة النقديّة عن التجاذبات السياسيّة، وضرورة تحرير سعر الصرف بشكل تدريجي وبالتوافق مع الحكومة، وبعد التحضير لإطلاق منصة جديدة تعتمد وقف بيع الدولارات للشركات والتجار، والاكتفاء مؤقتاً ببيع الدولارات لموظفي القطاع العام فقط، مع استثناء استيراد بعض الأدوية.
لكن يبقى الحكم طبعاً على الأفعال لا الأقوال، فالأقوال جيّدة والمقياس الأساسي يكمن في الترجمات على أرض الواقع، وبالتالي كلّ يوم بيومه، وبقدر ما يتمسّك الحاكم الأول والنواب الثلاثة الآخرين بقانون النقد والتسليف ورفض أي خطوة لا تحظى بالغطاء القانوني المطلوب، بقدر ما يحصّنون أنفسهم وخطواتهم، لأنّه لم يصل البلد إلى ما وصل إليه سوى بسبب تعليق العمل بالدستور.
إذاً سنكون مع منصوري أمام خطة “متعددة الأضلع”، لا يمكن تنفيذها من دون التنسيق مع الحكومة ومجلس النواب.
هذه الخطة بحسب منصوري، تبدأ بإقرار القوانين الاصلاحية الأربعة:
– موازنة العامين 2023/2024.
– الكابيتال كونترول.
– قانون “إعادة هيكلة المصارف”.
– قانون “الانتظام المالي”.
- التوقيت: أي أنّ القانون مشروط بوقت محدّد لا يمكن تمديده وحصرها الحاكم الجديد بـ6 أشهر.
- الاسترداد: أي أن كل ما ينفقه مصرف لبنان من أموال، على الحكومة أن تعيده وفق آليات فعلية وواضحة وليس وفق كلام إنشائي أو نظري.
- الطلب: كشف منصوري أن الحكومة ستكون الجهة الصالحة لتحديد حجم الأموال التي ستقترضها من المركزي بموجب هذا القانون، وهذا يعني أن مصرف لبنان لن يملي على الحكومة حاجتها، باعتبار أنها الجهة التي ستستدين وستعيد الدين.
وسيترافق إقرار هذه القوانين مع خطة تجيز للحكومة بالاستدانة من مصرف لبنان وفق شروط ضيقة ومحددة المعالم، كشف عنها منصوري وهي كالتالي:
أما أهم ما سنشهده مع منصوري، فعنوانه “توحيد وتحرير سعر الصرف”. أي جعل لعبة “العرض والطلب” في السوق تأخذ مجراها من أجل تحديد سعر صرف الدولار من دون أي تدخل من مصرف لبنان.
رهان منصوري والنواب الثلاثة على نجاح هذا الأمر، ينطلق من التالي:
– تراجع الكتلة النقدية بالليرة في السوق مؤخراً من 80 إلى 60 تريليون ليرة لبنانية، أي بواقع 25%.
– استئناف الجباية التي حققت حتى الآن 20 تريليون ليرة، بينها 11 تريليون ليرة “كاش”.
ومن المتوقع ان تؤدي خطة منصوري إلى ضبط سعر الصرف، وسيحول دون قدرة المضاربين على التأثير بسعر الدولار مستقبلاً. وإن حصلت المضاربة، فإن أجهزة الدولة، أبدت استعدادها للتدخل من أجل مكافحة المضاربة والمضاربين، على غرار ما فعلت قبل أشهر، أي يوم اعتقلت عدداً من الصرافين والمضاربين وسمحت للمركزي بفرض استقرار سعر الصرف. إضافة إلى ذلك، سيحاول منصوري توحيد وتحرير سعر الصرف، أي جعل لعبة “العرض والطلب” في السوق تأخذ مجراها من أجل تحديد سعر صرف الدولار من دون أي تدخل من مصرف لبنان.
في المحصّلة، ما يجب تحقيقه تباعاً هو فصل الخلاف السياسي العميق والكبير عن مصالح الناس وعيشهم الكريم، فلا أمل بحلول سياسيّة للأزمة اللبنانيّة، والحلّ الوحيد يكمن بفصل تأثيرات هذه الأزمة في حياة الناس. علماً أنّ مَن يتحمّل الشغور في مصرف لبنان وفي سائر المؤسّسات، هو فريق الممانعة الذي يعطِّل الانتخابات الرئاسيّة ويواصل ارتكاب جرائمه بحقّ الشعب اللبناني الذي ينشد الاستقرار والانتظام والازدهار، ومَن يحول دون ذلك كلّه هو فريق السلاح والفساد.