أخباركم – أخبارنا/ د. وفيق ريحان
أكدت رئيسة هيئة مجلس الخدمة المدنية في لبنان السيدة “نسرين مشموشي” ان نسبة الشغور في ملاكات الدولة تبلغ ٧٣٪، بحيث يشغل منها حالياً ..٧٤ وظيفة عامة من أصل …٢٧ وظيفة ملحوظة حتى اليوم، مقترحة تخفيض هذه الوظائف الى حدود ١٥٠٠٠ وظيفة وإعادة توزيع الموظفين وفقاً لذلك، عند إعادة هيكلة القطاع العام على طريق الإصلاح الاداري، أي بمعنى آخر تقليص القطاع العام والاستغناء عن التوظيف غير النظامي، من خلال الغاء بعض الوحدات الادارية واستحداث بعضها الآخر وفقاً لخطة تحديث القطاع العام والحوكمة الإدارية، وأنه أصبح من الضروري السير بمشروع دراسة تصنيف وتوصيف وظائف الملاكات العامة للدولة، وتحديث سبل التعاقد للإفادة من الخبرات التخصصية اللازمة في الإدارة العامة، وحيث يجري على إثرها وضع سلسلة رتب ورواتب جديدة وفق أسس ومعايير موضوعية، واعتماد الأسس القانونية والعلمية في إختيار الموظفين عبر المباريات التي يجريها مجلس الخدمة المدنية للفئات الوظيفية المختلفة. وصولاً إلى وظائف الفئة الأولى التي وضعت بشأنها قواعد وأصول ومعايير محددة، بما يتناسب مع مضمون الدستور اللبناني الذي اعتمد معيار الكفاءة و الجدارة في استحقاقها دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة وإعتماد مبدأ المداورة في توليها وذلك وفقاً ( للمادة ١٢) من الدستور التي أكدت “أن لكل لبناني الحق في تولي الوظيفة العامة، ولا ميزة لأحد على الآخر، إلا من حيث الاستحقاق و الجدارة بسبب الشروط التي ينص عليها القانون، وذلك سنداً لمبدأ المساواة بين الموظفين أمام القانون، كما أكدت (المادة ٩٥) من الدستور على ضرورة وأهمية تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية برئاسة رئيس الجمهورية بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ومجلس الوزراء وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية مختلفة.
كما أشارت هذه المادة في الفقرة ب منها الى ضرورة ان تكون التعيينات في الفئة الأولى في المرحلة الإنتقالية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون تخصيص أية وظيفة لأي طائفة مع وجوب التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة. وعلى هذا الصعيد، فلقد نصت (المادة ٣٤) من النظام العام للموظفين المحدد (بالمرسوم الاشتراعي رقم ٥٩/١١٢) وتعديلاته اللاحقة، على أصول ترفيع الموظفين في الإدارة العامة المحددة بالمرسوم (رقم ١٥٧٠٣ تاريخ ١٩٦٤/٣/٦). وحيث نصت (الفقرة ٣) من ( المادة ٣٤) على أن تقوم كل وزارة او ادارة بتنظيم جدول ترفيع وترسله الى مجلس الخدمة المدنية، قبل اول تشرين الاول من كل سنة، وتضمنه أسماء الموظفين الذين ترشحهم للانتقال من رتبة إلى رتبة ضمن الفئة ذاتها، او من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية، ومن الفئة الثانية الى الفئة الأولى، على أن ترفق الجدول بالأسباب الموجبة للترفيع. وعليه، ينبغي على مجلس الخدمة المدنية أن يبت نهائياً في هذا الجدول قبل نهاية الأول من كانون الثاني، وله أن يستطلع رأي إدارة التفتيش المركزي عن سلوك الموظف قبل اتخاذ أي قرار. وإذا لم يكن من مانع اعتبر الجدول نافذاً كما ورد من الوزارة أو الإدارة المعنية.
ويتضح مما تقدم، أن صلاحية ترفيع الموظفين في الادارات العامة الى الفئتين الثانية و الاولى كانت تتم وفقاً لهذه الآلية المشتركة بين الادارة المختصة ومجلس الخدمة المدنية، وفقاً للقانون والمعايير الوظيفية والمسلكية ، في الوقت الذي لم تكن أية وظيفة مخصصة لأية طائفة أو مذهب معين. إلا أن هذه الآلية الموضوعية لم ترق للسياسيين واستبدلوا نص المادة ٣٤ من هذا النظام بآلية جديدة أكثر انغماساً في الإطار الطائفي والمذهبي، بحيث يتبارى موظفو الفئة الثانية من مذهب معين يكون مخصصاً لوظيفة معينة أمام هيئة ثلاثية برئاسة “رئيس هيئة مجلس الخدمة المدنيةً ومشاركة الوزير المختص ووزير الدولة لشؤون التنمية الادارية او من يمثله. وتكون المباراة شفهية أمام هذه الهيئة التي تستلم مسبقاً ملخصاً عن السيرة الذاتية لكل مرشح، وحيث يتم اختيار الثلاثة الاول من مجموع المرشحين من تلك الطائفة أو المذهب، وترسل اسماؤهم الى مجلس الوزراء بواسطة الوزير المعني، وحيث يقوم هذا الأخير بتزكية احدهم، الا ان القرار النهائي يعود الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وحيث تخضع تعيينات الفئة الأولى لموافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس الوزراء، وذلك وفقاً للفقرة الخامسة من (المادة ٦٥) من النظام العام للموظفين.
ان هذه الآلية الملتبسة أتاحت للسلطة السياسية التدخل السافر في تعيينات الفئة الأولى وفقاً لمنطق المحاصصة في تولي الوظيفة العامة وحيث يلعب الوزير المختص الدور الأساسي والمحدد في عمليات الترفيع، بإعتبار أن هذه الوظيفة هي ملك لفريق سياسي معين.
ان منطلقات العهد الجديد تصر على تطبيق الدستور، وعلى اعتماد معايير الجدارة والاختصاص في تولي الوظيفة العامة وفق مسيرة الاصلاح الاداري التي ينتهجها هذا العهد والحكومة العتيدة، فهل سنشهد في الايام المقبلة آلية علمية وموضوعية في اختيار موظفي الفئتين الاولى والثانية في الادارات العامة، أم أن منظومة الفساد التي دمرت الادارة العامة سوف تستمر بنهجها الفئوي والتدميري بالوقوف أمام مسيرة الإصلاح والإنقاذ التي تضمنها خطاب القسم والبيان الوزاري، ووافق عليه اغلبية النواب في المجلس النيابي.