أخباركم – أخبارنا
في 14 آذار 2005، شهد لبنان حدثًا تاريخيًا هامًا شكّل تحولًا كبيرًا في تاريخ البلاد السياسي والأمني. فقد تجمعت الحشود في بيروت للاحتجاج على الاغتيال المروع لرئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وهو الحدث الذي أفضى إلى خروج القوات السورية من لبنان بعد أكثر من 30 عامًا من الهيمنة العسكرية والسياسية. ومنذ ذلك الحين، كان حزب الله يتهم من قبل قوى 14 آذار بقتل الحريري وبالضلوع في هذه الجريمة. وبالرغم من أن الحزب كان وما زال قوة سياسية وعسكرية كبيرة في لبنان، إلا أن الأحداث المتلاحقة من 14 آذار 2005 وأثرها على لبنان، قد تسببت في تعاظم التوترات التي أدت في النهاية إلى التأثير على قدرات الحزب العسكرية والسلطة السياسية التي كان يملكها.

أحداث 14 آذار 2005 – البداية: في 14 آذار 2005، تجمع اللبنانيون في ساحة الشهداء في بيروت للمطالبة بخروج القوات السورية من لبنان، وجاء ذلك بعد أيام من اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عملية تفجير ضخمة. وقد كانت هذه الحشود تتألف من قوى 14 آذار، وهي ائتلاف من القوى السياسية التي كانت ضد الهيمنة السورية، وكان هدفهم إسقاط نظام الوصاية السورية والضغط من أجل تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الحريري.
في هذه التظاهرات، أظهرت الجماهير وحدة وطنية في مطالبها بدعم الاستقلال والعدالة. وقد كانت الأحداث التي شهدها لبنان في تلك الفترة بمثابة نصر معنوي للعديد من القوى السياسية اللبنانية، وهو ما شكل ضغوطًا كبيرة على الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله، اللذين كانا يعتبران الحليفين الرئيسيين لسوريا في لبنان.
التهم الموجهة لحزب الله: منذ اغتيال الحريري، تعرض حزب الله لحملة من الاتهامات، حيث كانت قوى 14 آذار، المدعومة دوليًا، تضع اللوم على الحزب بسبب ارتباطه الوثيق بالنظام السوري. بل إن هناك بعض المصادر التي أكدت أن حزب الله كان جزءًا من المعادلة التي جعلت عملية الاغتيال ممكنة، لا سيما في ضوء ارتباطاته مع المخابرات السورية والحزب القومي السوري.
بالرغم من أن حزب الله قد نفى مرارًا هذه الاتهامات، إلا أن العديد من اللبنانيين والمنظمات الدولية كانوا يرون في الحزب المسؤول عن تقويض العدالة في لبنان ورفضه تعاونًا حقيقيًا مع التحقيقات الدولية التي كانت تجري بشأن اغتيال الحريري.
تأثيرات 14 آذار على حزب الله: منذ 14 آذار 2005، بدأ حزب الله يشعر بضغوطات هائلة على جبهتين. أولًا، شهد الحزب تراجعًا في شعبيته في بعض الأوساط اللبنانية التي بدأت تنظر إليه كطرف مسؤول في مقتل الحريري. ثانيًا، تعرض الحزب للضغط الدولي، حيث كان هناك ضغط على لبنان من المجتمع الدولي وخاصة من الدول الغربية، للحد من نفوذ حزب الله وتحجيم قوته العسكرية والسياسية.
لكن في الوقت نفسه، عززت الأحداث السياسية في لبنان من موقع حزب الله كقوة مقاومة ضد إسرائيل، مما منحه مزيدًا من الدعم الشعبي بين اللبنانيين الذين يرون في الحزب القوة الوحيدة القادرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة.
حزب الله بعد عام 2005: ورغم العزلة التي عاشها الحزب بعد اغتيال الحريري وتزايد الاتهامات ضد أفراده، تمكن حزب الله من تعزيز موقفه العسكري والسياسي. فقد أدار الحزب عمليات عسكرية متكررة ضد إسرائيل، وفي 2006 شن حربًا واسعة معها في “حرب تموز”.
إلا أن حزب الله كان في الوقت نفسه تحت تأثير تحديات كبيرة داخلية وخارجية، حيث بدأت القوى السياسية اللبنانية المعارضة لحزب الله تندد بممارساته العسكرية وتطلب ضبطًا للسلاح الذي يملكه الحزب. وفي الواقع، أضحت هذه المطالب مسألة ساخنة مع ارتفاع المخاوف من تزايد خطر تكرار الأزمات العسكرية في لبنان.
التحولات العسكرية والسياسية: في السنوات التي تلت أحداث 14 آذار 2005، حاولت القوى السياسية في لبنان بناء توافق سياسي يسمح بتقليص نفوذ حزب الله. وبالرغم من بعض النجاحات التي تحققت في هذا الاتجاه، إلا أن الحزب تمكن من الصمود وتحقيق التوازن العسكري في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية.
مع دخول عام 2011، ومع اندلاع الأزمة السورية، بدأ حزب الله يتورط بشكل أكبر في الأزمة السورية إلى جانب النظام السوري، مما وضعه في مواجهة مع أطراف لبنانية وإقليمية. وقد شكل ذلك اختبارًا كبيرًا للحزب، حيث باتت عمليات القتال في سوريا تهدد استقرار لبنان.
شهداء 14 آذار:
لقد سقط العديد من الشهداء الذين كان لهم دور كبير في إحداث التحولات السياسية في لبنان بعد أحداث 14 آذار 2005، وكان هؤلاء الشهداء رمزًا للحرية والاستقلال، حيث دفعوا حياتهم ثمنًا للمطالبة بالعدالة وتحقيق الاستقلال الحقيقي للبنان بعيدًا عن هيمنة النظام السوري. من أبرز هؤلاء الشهداء هو رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الذي اغتياله كان الشرارة التي أشعلت انتفاضة 14 آذار، فضلاً عن العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية التي كانت لها بصمة كبيرة في الحركة السيادية اللبنانية.
من بين هؤلاء الشهداء، كان الوزير والنائب السابق جبران تويني الذي اغتيل في 12 كانون الأول 2005، وكذلك الصحافي سمير قصير الذي اغتيل في 2 حزيران 2005، والوزير النائب الكتائبي الشاب الواعد بيار الجميل والامين العام الاسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، وغيرهم من الشخصيات السياسية البارزة الذين لم ينجح اغتيالهم في تدمير إرادة اللبنانيين في تحقيق سيادتهم الوطنية. هؤلاء الشهداء أصبحوا رمزًا للثوار الذين خرجوا في 14 آذار للمطالبة بتغيير الواقع السياسي في لبنان، وأصبحوا في ذاكرة اللبنانيين شعلة لا تنطفئ لحرية لبنان وكرامته.
لقد ساهمت هذه التضحيات في تشكيل قوة دفع نحو إعادة بناء لبنان على أسس سيادية وحرّة، بعيدة عن التدخلات الإقليمية والضغوط السياسية. وبالرغم من مرور السنوات على اغتيالهم، فإن شهداء 14 آذار يبقون في قلب الحركة السيادية اللبنانية التي تطمح لبناء دولة القانون والعدالة.
لقد أدت أحداث 14 آذار 2005 إلى بداية مرحلة جديدة في السياسة اللبنانية كانت تُعتبر بمثابة تحوّل تدريجي في موقف القوى اللبنانية من حزب الله. ورغم الضغوط الدولية والاتهامات الموجهة إليه، إلا أن الحزب ظل يلعب دورًا كبيرًا في لبنان، مما أكسبه قوة عسكرية كبيرة وتحالفات إقليمية قوية. ومع ذلك، يبقى حزب الله متهمًا في العديد من الأوساط بضلوعه في اغتيال الحريري، وهو ما جعل تحجيمه العسكري والسياسي من أكبر التحديات التي تواجهه في لبنان اليوم.
التغيرات هذا العام مع سقوط النظام السوري وتراجع دور حزب الله
منذ بداية عام 2025، شهدت سوريا والمنطقة العديد من التحولات السياسية والعسكرية التي كان لها تأثير كبير على دور حزب الله في لبنان وسوريا. مع سقوط النظام السوري الذي استمر في التراجع على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية، بدأت ملامح مرحلة جديدة تظهر على الأرض، ما أسفر عن تراجع كبير لدور حزب الله في المنطقة، خاصة في سوريا.
سقوط النظام السوري وتأثيره على المنطقة:
سقوط النظام السوري أو تراجعه الكبير عسكريًا أعاد رسم معالم المنطقة. فالجيش السوري، الذي كان في السنوات الماضية يمثل الركيزة الأساسية للمصالح الإيرانية وحزب الله في سوريا، بدأ يعاني من انهيار واسع في الجبهات الداخلية، مما جعل دور حزب الله في دعم النظام السوري يتراجع بشكل كبير. على الرغم من أن حزب الله لا يزال يقدم دعماً عسكرياً في بعض المناطق، فإن تراجع قدرة النظام على الاستجابة للأزمات العسكرية أسهم في ضعف نفوذ الحزب في سوريا بشكل عام.
من جهة أخرى، تراجع قدرة النظام السوري على فرض سلطته على أراضيه جعله يعتمد بشكل أكبر على القوى الدولية والإقليمية، ما أثر سلبًا على وجود حزب الله في سوريا كقوة مساندة للنظام. وهذا التغير جعل حزب الله يواجه تحديات جديدة فيما يتعلق بتمويله العسكري ودعمه السياسي، كما تراجعت قدرته على الهيمنة على المواقف السياسية في لبنان في ظل هذه التطورات.
تراجع دور حزب الله في لبنان:
منذ سقوط النظام السوري، بدأ حزب الله يعاني من ضعف داخلي في لبنان نتيجة عدة عوامل، أبرزها:
- الضغط الاقتصادي: أزمة الاقتصاد اللبناني في السنوات الأخيرة، التي تفاقمت نتيجة للعديد من العوامل، بما في ذلك الأزمة السياسية، تسببت في تراجع دعم حزب الله الشعبي. الأحوال الاقتصادية الصعبة في لبنان دفعت العديد من اللبنانيين إلى إعادة تقييم الدعم لحزب الله، خاصة في ظل تراجع القدرة على تقديم الخدمات الأساسية.
- العزلة الدولية: تزايد الضغط الدولي على حزب الله من خلال العقوبات الاقتصادية والسياسية، خاصة بعد أن تراجع دوره الإقليمي في دعم النظام السوري. هذه العزلة أثرت بشكل كبير على قدرته على تحريك مؤيديه في لبنان، وأدت إلى تفاقم صعوبة الترويج لوجوده كقوة مقاومة مشروعة في المنطقة.
- التغيرات العسكرية الإقليمية: تراجع الدور العسكري لحزب الله في سوريا جاء نتيجة لتراجع النفوذ الإيراني، الذي كان يعتمد عليه في المنطقة لدعمه العسكري والمالي. إيران، التي كانت تمول وتدعم حزب الله، قد تكون في مرحلة إعادة ترتيب أولوياتها العسكرية في المنطقة بسبب الأوضاع المتغيرة في سوريا والعراق.
- صعود القوى المحلية في لبنان: في لبنان، لم يعد حزب الله يُنظر إليه كقوة عسكرية وحيدة تقود المقاومة ضد إسرائيل. مع بروز الحركات السياسية والشعبية التي تطالب بالإصلاحات الداخلية وتحقيق السيادة الوطنية، بدأ حزب الله يفقد جزءًا من تأثيره السياسي في لبنان.
مستقبل حزب الله في ظل التغيرات:
مع سقوط النظام السوري وتراجع دور حزب الله في المنطقة، أصبح الحزب في وضع صعب. سيحتاج حزب الله إلى تغيير استراتيجيته العسكرية والسياسية بشكل كبير ليواكب التغيرات الحاصلة في البيئة الإقليمية والدولية. فقد أصبح أمام خيارين رئيسيين:
- التركيز على الداخل اللبناني: قد يسعى حزب الله إلى تعزيز نفوذه الداخلي في لبنان من خلال تحركات سياسية أوسع، لكن ذلك يتطلب أن يعيد ترتيب علاقاته مع القوى السياسية اللبنانية الأخرى.
- التركيز على المقاومة ضد إسرائيل: في ظل الضغط الداخلي والإقليمي، قد يعود حزب الله إلى التركيز على القضية الفلسطينية وحملات المقاومة ضد إسرائيل كوسيلة لاستعادة شرعيته في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
التغيرات السياسية والعسكرية التي يشهدها الوضع السوري وانخفاض تأثير حزب الله في المنطقة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تشهد إعادة ترتيب للأولويات في لبنان والشرق الأوسط. وسقوط النظام السوري وضع حزب الله أمام تحديات جديدة على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية، وهو ما قد يعيد صياغة المشهد السياسي في لبنان والمنطقة بشكل كامل.