أخباركم – أخبارنا/ تقرير فلسطين الميداني
في غزة، للموت طقوس غير مكتملة، والشهداء فيها لا يُودَّعون كما يليق بهم، كان اليوم مشهدًا آخر للحزن الممتد منذ شهور طويلة، حينما لم تكن هناك قبور، ولم يكن هناك وقت للحداد، احتضنت باحات المستشفيات جثامين الشهداء، بين الجدران التي استقبلتهم جرحى وشيّعتهم شهداء.
ومنذ صباح امس ، كانت طواقم الدفاع المدني الفلسطيني تجوب باحة مجمع الشفاء الطبي، حيث استقرت أجسادٌ ظلت شاهدة على وحشية الحرب، لم يكن المشهد عاديًا، فهؤلاء الذين دُفنوا على عجل، بلا مراسم ولا مشيعين، يعودون اليوم ليُدفنوا كما ينبغي، في مقابر تحمل أسماءهم، وربما بعضًا من قصصهم التي لم تُروَ بعد.
وسط هذا المشهد، كانت أمٌ تتنقل بين الجثامين، تبحث عن ابنها الوحيد، بعينين أنهكهما البكاء، وبصوت متقطع بالحسرة، وقالت “جئت أبحث عن ابني.. استشهد في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تركته في ثلاجات المستشفى، قالوا حينها إنه لا يمكن دفن أحد لأن الاحتلال كان على وشك اقتحام الشفاء، فاضطررنا للنزوح جنوبًا”.
وتُضيف بقهر شديد والدموع تملأ عينيها، “كنت قد أوصيت أحد الشيوخ بأن يتولى دفنه، لكنه لم يتمكن من الوصول إليه، وعندما سألت، أخبروني أن هناك دفعة من الجثامين أخذها الاحتلال، صُدمت، لم أستوعب الأمر، ولا أعلم إن كان ابني بينهم أم لا.. كان عمره 33 عامًا، وحيدًا، ربيته يتيمًا، ثم رحل..”.
هذه هو وضع الامهات في غزة….وامس كان يوم آهات الامهات….
من جهة ثانية، أصدرت وزارة الصحة بغزة، امس الخميس، تقريرها الإحصائي اليومي لحصيلة ضحايا العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة. وقالت وزارة الصحة، إنّ 9 شهداء (7 انتشال، وشهيدان جديدان) و14 إصابة وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزّة، خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وأعلنت ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48,524 شهيدًا و111,955 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. وأشارت إلى أنه لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
ميدانيا، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ46 على التوالي، ولليوم الـ33 على مخيم نور شمس، وسط تصعيد عسكري شمل تعزيزات مكثفة، وهدم للمنازل، وتحويل مبانٍ سكنية الى ثكنات عسكرية.
وعززت قوات الاحتلال من وجودها العسكري أمام المنازل التي تستولي عليها في شارع نابلس الذي يربط بين مخيمي طولكرم ونور شمس، وتحولها لثكنات عسكرية، وأقامت حواجز متنقلة لتقييد حركة تنقل المواطنين. واستولى الاحتلال أمس الأربعاء على عمارتي خريوش رقم 4 ورقم 5، الواقعتين خلف دائرة السير في شارع نابلس، بعد إجبار سكانها على النزوح منها، وحولتهما لثكنات، حيث شوهدت شاحنات تابعة للاحتلال، وهي تحضر خزانات مياه إلى هذه الأبنية.
وفي سياق متصل، هدمت جرافات الاحتلال مزيدًا من المنازل والمباني في حارة المنشية في مخيم نور شمس، وذلك استكمالًا لتنفيذ مخططها بهدم عشرات المنازل، بذريعة شق طريق وتغيير المعالم الجغرافية للمخيم، إضافة إلى تجريف آخر لشارع نابلس المحاذي لمدخله، وتدمير البنية التحتية وممتلكات المواطنين.
وفي موازاة ذلك، انتشرت فرق المشاة في حارات مخيم طولكرم مع إطلاقها للأعيرة النارية بشكل كثيف وهي تطارد المواطنين أثناء توجههم لتفقد منازلهم في المخيم وأخذ مستلزماتهم منها، وهددتهم بالاعتقال وإطلاق النار على كل من يحاول الدخول إليه سواء رجال أو نساء، كما قاموا بسرقة محال تجارية بعد تجريف أبوابها، وتخريب محتوياتها.
وأسفر العدوان المتواصل على المدينة والمخيمات عن استشهاد 13 مواطنًا، بينهم طفل وامرأتان إحداهما حامل في الشهر الثامن، بالإضافة إلى إصابة واعتقال العشرات، ونزوح قسري لأكثر من 12 آلف شخص من مخيم نور شمس، و12 ألف آخرين من مخيم طولكرم، وما رافقه من دمار شامل طال البنية التحتية والمنازل والمحال التجارية، التي تعرضت للهدم الكلي والجزئي، والحرق، والتخريب، والسرقة.