كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1976 على بدء ثورة الكرامة
مرّ 20 سنة على “إنتفاضة الإستقلال”!
كان إسمها “إنتفاضة الإستقلال” ولم تحمل أي إسمٍ آخر. التسمية نوقشت وأقرت في إجتماع المختارة، وأطل سمير فرنجية ليعلن بيان المجتمعين: “نعلن إنتفاضة الإستقلال”. تحية إلى حكمت العيد صاحب التسمية.
اليوم يكون قد إنقضى 20 سنة على ثورة خافت قيادتها من شعبها فنحرتها. إرتكب الحشد المليوني الذي غطى وسط بيروت “جريمة” الحلم بوطن أفضل يليق باللبنانيين، رفض تحول الوطن إلى رصيف هجرة أو بقاء أهله ضحايا. هز بقوة نظامين أمنيين في بيروت ودمشق رافضا الإحتلال الأسدي والإستتباع. قال الحشد نريد دولة طبيعية، عادلة سيدة وحرة، يُستعاد فيها الدستور ويتساوى فيها الناس سواسية تحت سقف القانون، فهالت رغبات الناس المتسلطين الطائفيين الذين قفزوا بشكلٍ جماعي من مركب إنتفاضة الناس الإستقلالية إلى مركب “الحلف الرباعي” مع حزب الله وقوى “شكراً سوريا”! وتزاحموا على توزيع مقاعد السلطة والمحاصصة الطائفي الغنائمية..
تشاركوا سرير حكومات أسميت وحدة وطنية، ولم تكن إلاّ وحدة ملوك الطوائف المتجبرين، وما حدن يخبرنا عن بطولات وهمية، فالناس تمتلك ذاكرة متوقدة وتعيش أهوال نتائج الأداء المدمر الرافض وجود الدولة التي تحمي أبنائها وتصون الحقوق وتحفظ الكرامات. هذا الأداء مسؤول عن 8 أيار وإحتلال بيروت والدوحة والثلث المعطل وطرد الأكثرية النيابية من السلطة.. هذا الأداء أوصل إلى مشهدية معراب وبنوده السرية عن تحاصص السلطة مقابل ترئيس ميشال عون مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية، لينضم لاحقاً سعد الحريري وقد تناسى الجميع السيادة والإستقلال ودور حزب الله والإغتيالات والسلاح اللاشرعي.
ساهمت “إنتفاضة الإستقلال” بقوة في إخراج جيش النظام السوري، وأظهرت للدنيا أن للبنانيين إمكانات وقدرات، وإن تمكنت قيادات متجبرة تلوث معظمها بالفساد فإنخرطت في أخطر تحالف مافياوي سياسي مصرفي ميليشياوي فاجر ناهب، فإن المواطنين العاديين والطبيعيين، الأكثرية الساحقة العابرة للمناطق والطوائف والغيتوات والكانتونات، إلتقوا في “17 تشرين” الثورة الأعمق بتاريخ لبنان وقالوا: لنا حقوق ولن نتراجع عن تحقيقها مهما طال الزمن. وقالوا “كلن يعني كلن” يتحملون المسؤولية عن النهب والافقار والتجويع، عن مآسي التسلط باسم الطوائف، عن منع قيام الدولة وحجب الحريات ومنع المساءلة والمحاسبة مع تجويف القضاء وإستتباعه لمنع العدالة وسيادة “قانون الإفلات من العقاب”، والتسبب بإذلال اللبنانيين وهدر حقوقهم كراماتهم.. ودعونا نتذكر أن القيادات الآذارية الطائفية رفضت شعارات “17 تشرين”، ومن إستلحق حاله فشل بالتطويع، بدليل أكبرتصويت عقابي ضد كل الطبقة السياسية في إنتخابات أيار 2022.
مع سقوط حكومة الحريري رشحت الثورة نواف سلام، ومع سقوط حكومة حسان دياب بعد جريمة التفجير الهيولي للمرفأ وبيروت رشحت الثورة نواف سلام، وبعد إتفاق الثنائي المذهبي حزب الله وأمل على وقف النار مع العدو بعد أخذ لبنان قسراً إلى حرب دمرته ما فتح الطريق لإنتخاب جوزاف عون رئيساً رغم أنف مجلس النواب، تحرك تسونامي شعبي إستند اليه نواب التغيير لخوض معركة ترشيح نواف سلام مجددا، إن ضمن قوى “معارضة” نظام المحاصصة، أو من خلال ترشيح إبراهيم منيمنة، ليكون هذا الترشيح الممر المفضي لتكليف نواف سلام. وهكذا كان، وتم ذلك وعلى الدوام كانت لدى قوى التغييرقناعة ما زالت موجودة بان نواف سلام سيلاقي تطلعات اللبنانيين في سعيهم للتغيير ولإستعادة الدولة والدستور وحكم القانون وبسط السيادة وحصر حق حمل السلاح بيد القوى الشرعية وإستعادة حقوق الناس المنهوبة وحقوق الناس بالعدالة بعد تفجير بيروت، ووضع حدٍ لمحاصرة الحريات كما إستخدام بعض القضاء لكم الأفواه خصوصاً المطالبات بالمحاسبة والمساءلة واعادة حقوق المنهوبين ووضع حدٍ لإجرام الكارتل المصرفي المتسلط بالرشوة المتأتية من جيوب الناس قسراً.
وحده نواف سلام يتحمل مسؤولية عدم تمثيل قوى التغيير في الحكومة وهو القائل أنه هو من إختار الأسماء أو أكثرها، ويعرف رئيس الحكومة عن كثب أن الناس لا ترى أنه يختصر بشخصه هذه القوى. رحبت الناس بخطاب القسم وخطاب التكليف والبيان الوزاري، لكن بعض باكورة التعيينات العسكرية والأمنية جاءت “خط عسكري” فخيّبت آمال اللبنانيين بالعهد والحكومة وصدمت إنتظارات الناس. الخوف حقيقي وكبير، من أن يتعمق هذا المنحى في التعيينات اللاحقة، ولا سيما تعيين حاكم مصرف لبنان والتعيينات القضائية، فإن إستمرت على المنوال إياه فهذا يعني تعميق تسلط القوى الطائفية ومنع قيام دولة العدالة والحق والقانون. ومقلق جداً المؤشرات والترويجات وعدم تحريك الحكومة ملفات حقوق الناس بالعدالة وحقوق المودعين الذين يدفعون “الهيركات” إياه الذي أرسى أسسه الفاسد رياض سلامة، ومن المداخل التي كان ينبغي إعتمادها، وما زالت الإمكانية موجودة، إحياء العمل بالتدقيق الجنائي وهذا لم يحدث. وما يزيد الطين بلة أن الكارتل المصرفي الناهب مدعوماً من قوى نظام المحاصصة يطلق هذه الأيام أخطر حملة لمحاصرة كل صوت يطالب بوضع حدن للمقتلة العامة، التي تسبب بها زمرة من المرابين الذين يقودون القطاع المصرفي ويأملون بتعيينات لا تفتح أبداً مغاور علي بابا الفساد ويغطون نهائياً الجرائم المالية المرتكبة.
هناك مسؤولية على السلطة السياسية التي قالت أن حقوق الناس إلتزام، وتتزايد المسؤولية وتتسع مع إتساع الحملة المشبوهة المنظمة من مصارف بعينها ومن وسائل البلطجة الإعلامية، التي تستهدف “كلنا إرادة” التي قالت بوضوح ينبغي التدقيق بكل الحسابات وينبغي إعادة الحقوق لمستحقيها وتدفيع الناهبين الثمن. وإتسعت الحملة لتطال منصتي “ميغافون” و”درج” ويكفيهما أنهما تصدرتا مواجهة هذا الكارتل وفضحتا جوانب عديدة من إجرامه بحق اللبنانيين عامة.
مع “كلنا إرادة” ومع “ميغافون” ومع “درج” ومع كل صوت حرٍ يدافع عن حقوق الناس ويطالب بالمحاسبة والمساءلة والعدالة للبنان واللبنانيين.