أخباركم – أخبارنا/ الكاتب السياسي حسين قاسم
هذه المقتطفات سترد مفصلة في كتابي المنتظر.
أول نقاش سياسي ورد فيه ذكر المعلم الشهيد كمال جنبلاط وشاركت فيه، كان في مطلع سبعينات القرن المنصرم، أي في بدايات انخراطنا في العمل السياسي، لا سيما في المرحلة التي تلت هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران من العام 1967. حينها كان الصراع على أشده في ساحة اليسار بين “اليسار الحقيقي واليسار المغامر”، (اليسار المغامر هو منظمة الاشتراكيين اللبنانيين التي كان يرأسها المرحوم الرفيق محسن إبراهيم، واليسار الحقيقي هو الحزب الشيوعي، والتسمية للرفيق غسان الرفاعي). اليسار المغامر وصف الحزب الشيوعي بأنه حزب إصلاحي وليس حزباً ثورياً وحجته كانت تحالفه مع الإقطاعي كمال جنبلاط، إلى جانب عدم اعتماد الحزب على الكفاح المسلح لإحداث التغيير الثوري الجذري في لبنان. ونحن نرد بما أقره المؤتمر الثاني للحزب باعتماد كافة الأساليب لإنجاز التغيير بما في ذلك الكفاح المسلح، إلى جانب الدفاع عن التحالف مع كمال جنبلاط مستخدمين نظريات ذلك الزمن كافة.
كان لـ “مهرجان بلدة سحمر” في البقاع الغربي الذي حصل في ربيع العام 1976، وفي ذروة صراع الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة المعلم الشهيد مع النظام السوري، وقع خاص عند جيلنا وعند أهلنا في البقاع الغربي وعلى المستوى الوطني. فالمثير للاهتمام أن جنبلاط، بعد إلقائه خطاباً نارياً في ذلك المهرجان، استمع إلى إذاعة لندن أثناء عودته والتي كانت تبث مقاطع من خطابه، مما جعله يلتفت ناحية الرفيقين جورج حاوي ومحسن إبراهيم معلقاً: “يبدو أننا نلعب لعبة أكبر منا”. وقد وصف الرفيقان حاوي وإبراهيم تلك اللحظات كلٌ بأسلوبه في الرواية المذكورة، ونصحاه بعدم ذهابه إلى دمشق للقاء الأسد، وللموضوع حكاية أخرى ستروى لاحقاً. بالنسبة لنا نحن أبناء المنطقة التي تشهد على تهكم المعلم على حافظ الأسد.
انفجر الصراع المسلح بين الحركة الوطنية والنظام السوري إثر غزو قواته للبنان، وكان لي شرف المشاركة في هذه المواجهة حيث كُلفت من الحزب بقيادة عمل جبهة المقاومة الشعبية ضد غزو جيش النظام السوري في البقاع الغربي والقطاع الشرقي، وقاومناه وتصدينا له. بيد أننا ذهبنا وفداً من الحركة الوطنية وقابلنا المعلم في قصر المختارة بهدف الحصول على سلاح، لكننا بالغنا بحيث طالبنا بمدافع متوسطة، فلم يدعنا نُكمل قائلاً: “لا، لن أضع سلاحاً بين السندان الإسرائيلي والمطرقة السورية”. في تلك الفترة كان العدو الإسرائيلي يدخل إلى مرجعيون ناحية الجنوب. تراجعنا فوراً وطلبنا أسلحة قاذفات ومدافع فردية محمولة. سأل إذا كانت مدرعة تسير كيف يكون التسديد عليها، تجرأت وأجبته بأننا نقيس المسافة بيننا وبينها ونسدد أمامها. على الأثر نادى الرفيق داوود حامد طالباً منه أن يمنحنا ما تيسر من سلاح عنده.
استشهاد المعلم: بعد مؤتمري الرياض والقاهرة وتحويل القوات السورية إلى قوات ردع وهزيمة قوات الحركة الوطنية، دخل العدو الإسرائيلي إلى بلدة مرجعيون ثم سقطت بلدة الخيام بحيلة داخلية، فتحولت قوانا من مواجهة غزو سوري إلى مواجهة غزو إسرائيلي. المدهش أن البندقية ذاتها التي كانت هنا صارت هناك مع ذات القوى وذات الأشخاص . ونحن بخضم معركة تحرير بلدة الخيام، دخلت إلى مركز الحزب في حاصبيا، لأجد الرفاق بانتظاري للذهاب إلى مركز الحزب التقدمي الاشتراكي لأن المعلم استشهد اغتيالاً. وقع الخبر كالصاعقة علينا جميعاً. في اليوم الثالث عرفنا تفاصيل عملية الاغتيال وأن الضابط السوري إبراهيم حويجي مسؤول مفرزة سن الفيل هو القاتل وأن حافظ الأسد قرر ترقيته باليوم ذاته، ولم يتجرأ أحد منا على ذكر ما يعرفه، علماً أن أركان النظام السوري كانوا يرغبون في أن نعرف أنهم هم من قتله لتخويف كل من تسول له نفسه معارضتهم، فأساس حكمهم يقوم على قوة فرضية الخوف.