أخباركم -أخبارنا
“قراءة في حدث “/ حاورته ناديا شريم
على مسافة أشهر من وقف الحرب في لبنان وانقلاب المشهد في سوريا تبدو المنطقة على حافة هاوية، فلا هي قادرة على التراجع وقلب المشهد، ولا هي قادرة على الاستمرار فيه مع ما يحمل ذلك من مخاطر تفكك و”كونتونات” طائفية ومذهبية متناحرة. ورغم الأصوات الرافضة لكل ما يحصل، فإن اللوحة تظهر أن المنطقة أمام تسونامي جارف بقيادة أميركية مصرة على تحقيق أهدافها حتى ولو كانت النتائج مدمرة لدول المنطقة وشعوبها.
وإذا كانت دعوات الوحدة والتمسك بالأرض جدية فإنها لا تكفي لنسف كل ما يرسم للمنطقة على المديين القريب والبعيد، وبالطبع فإنها لا تكفي لفرض واقع جديد لمصلحة دول المنطقة العاجزة كل العجز عن التغيير.
أمام هذا الواقع يقول الكاتب والمحلل السياسي غسان ريفي لموقعنا: “بعد أن دخل لبنان مرحلة جديدة مع وصول الرئيس جوزف عون الى رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، مما ادخل الأمل إلى اللبنانيين خصوصاً وأن عون معروف وله تجربته الجيدة في قيادة الجيش الذي حافظ عليه، ومنعه من الانهيار في أصعب الظروف الاقتصادية والأزمات المالية كما نجح في تأكيد وحدة هذا الجيش والحفاظ على عقيدته الوطنية وحضوره. هذا التغيير في الشكل الذي حصل في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والحكومة التي شكلت رغم وجود الكثير من علامات الاستفهام حول وحدة المعايير التي لم يطبقها جيد، لكن الحكومة ورغم كل شيء اخذت الثقة من أكثرية المكونات اللبنانية وبدأت العمل. حتى الآن لم نجد أي نقلة نوعية في الموضوع الحكومي وهناك شبه غياب عما يجري على الأرض. رئيس الجمهورية يأخذ بعض الامور بصدره ويتصدى لها ، فقد رأينا كيف دخل الحريديم إلى لبنان في سيارات خاصة، وهذا يؤكد قمة الاستيطان والاحتلال ولم يتحرك رئيس الحكومة ولم تحرك الحكومة ساكناً. حصلت أكثر من 25 غارة في الاسبوع الفائت، ولم يستطع رئيس الحكومة أن يحرك شيئاً. إضافة إلى ذلك فقد لمس اللبنانيون بأن آلية التعيينات لم تتلاءم مع خطاب القسم ومع خطاب الثقة، وجاءت طبقاً لاقتراحات سياسية وشهدت تسويات. ورأينا كيف أتى العميد شقير من أمن الدولة إلى مديرية الأمن العام وكيف انتقل العميد سليمان إلى أمن الدولة. لقد وجدنا أن الحكومة ليس لها أي دور في هذا الأمر خصوصاً – وكما بات معلوماً – فإن رئيس الحكومة طرح اسمين لكن اسما ثالثاً تم تعيينه. هذا الأمر كله يخشى معه أن يصيب اللبنانيون بخيبة أمل وستكون هذه المرة صعبة جداً وخطيرة جداً، فحذاري أن يخيّب هذا العهد وهذه الحكومة الآمال التي بناها اللبنانيون.”
أمور سيادية حقيقية
ويضيف: “لا شك أن هناك أمورا كثيرة جدا وأزمات كبيرة جدا تحتاج إلى رؤية وحكمة وموضوعية وحنكة في السياسة، لذلك أرى أن أمام هذا العهد وامام هذه الحكومة أموراً سيادية حقيقية وهو موضوع الاحتلال الإسرائيلي وضرورة الانسحاب بشكل كامل، ووقف التدخلات الاجنبية والعربية في لبنان لأن الأمر بات فاقعاً جداً، وطرح موضوع السلاح على طاولة الحوار لإيجاد استراتيجية دفاعية يمكن الركون إليها ووقف أعمال الاستفزاز لأن ما يجري في المنطقة وتحديداً في سوريا، وما جرى مؤخرا في الساحل السوري وما شهدته المقاومة والخسائر التي منيت بها من استشهاد الأمين العام إلى استشهاد القادة والدمار الذي لحق ببيئتها، كل ذلك يحتاج إلى روية وليس إلى استفزاز لأن طريق الاستفزاز – في حال تم تعبيده والسير عليه – فإنه سيوصل إلى ما لا يحمد عقباه.”
أوضاع الشمال سيئة للغاية
ويعلق ريفي على أوضاع الشمال، فيقول: ” في ما يتعلق بأوضاع الشمال فهي سيئة للغاية على كل المستويات. فلبنان مستباح من جهة الحدود الشمالية، وهناك أكثر من 10 آلاف نازح دخلوا من الساحل السوري. هذا الأمر بدأ منذ حوالى عشرة أيام ولا تزال الحكومة غائبة مع مؤسسات الدولة. هناك أزمة في الساحل السوري، وهناك عصابات تنشط على الحدود مع لبنان سواء لابتزاز النازحين أو لتهريبهم، وهناك من يأخذ الأموال الطائلة على كل فرد من أجل إدخاله إلى لبنان أو لتأمين إقامة له أو مقر، وهناك من ينفخ في بوق الفتنة المذهبية في بعض قرى عكار. كل هذه الأمور تحتاج إلى ضربة من حديد من قبل الحكومة لتنظيم عملية النزوح واعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية لمعاقبة كل من تسوّل له نفسه أن يعبث بأمن المواطنين في عكار ومن ينفخ في بوق الفتنة. لقد كانت عكار منذ فترة على موعد مع النازحين من الجنوب وكانت الاقامة والخدمات رائعة. لكن لا يجوز اليوم أن يبقى هذا الأمر على هذا النحو من الفوضى والابتزاز والتوتر الأمني الذي يطل برأسه في كل ساعة. وفي حال لا سمح الله، نجحت الفتنة في أحداث أي اشتباك، ستكون هناك كارثة حقيقية في لبنان، خصوصاً وأن كل النفوس مشحونة.”
لا مخاطر بامتداد أحداث سوريا
من جهة أخرى، يستبعد ريفي امتداد أحداث سوريا إلى لبنان ويقول: “لا أرى أي مخاطر بامتداد أحداث سوريا إلى باب التبانة وجبل محسن. بالطبع لا يخلو الأمر في المنطقتين من مصطادين بالماء العكر، ومن مستفيدين من عودة الفوضى إلى هذه المنطقة الواحدة جغرافياً. لقد حاول البعض إثارة الفتنة من خلال فتى يبلغ من العمر 16 عاماً قيل انه تم الاعتداء عليه في جبل محسن، ليتبين بعد ذلك بأنه من مكتومي القيد من خارج المنطقة، وكان لديه مآرب من خلال وجوده في جبل محسن وقد تم ضربه وطعنه بالسكين وإرساله إلى المستشفى الحكومي. أمام هذا الوضع، كانت هناك كلمة واحدة في باب التبانة وجبل محسن والمجلس الإسلامي العلوي وفي طرابلس بأن هذا الأمر ليس لنا أي علاقة به. فليأخذ الجيش دوره ويعمل على ضبط الامور وإيقاف من يعمل على الفتنة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وبقلب واحد، وبعد ذلك لم يعد يحصل أي حادث رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تسعير التوتر في تلك الليلة.”
تفتيت لمصلحة اسرائيل
اما عما يجري في المنطقة، فيرى ريفي أنه: “لا شك في أن كل المنطقة اليوم مقبلة على عملية إضعاف وتفتيت لمصلحة الإسرائيلي، ولا شك في أن الاقتراح الاميركي لنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن هو امر خطير جداً على القضية الفلسطينية وعلى الامن القومي المصري والامن القومي الأردني. أظن أن من ايجابيات القمة العربية التي عقدت في القاهرة بشأن القضية الفلسطينية هي أنها توافقت مجتمعة على رفض أي تهجير للفلسطينيين وعدم استقبال الفلسطينيين في مصر أو الأردن، والتشديد على إعادة الإعمار في غزة والعمل بكل الوسائل لتثبيت الفلسطينيين في أرضهم. لا شك في أن المنطقة مقبلة على تصعيد كبير خصوصاً بعد الموقف الإيراني السيء تجاه المفاوضات مع أميركا وهذا ما قد يشجع إسرائيل على تنفيذ عدوان على إيران التي سترد على هذا العدوان خصوصاً وأن إسرائيل تعمل في المنطقة بكل أريحية نتيجة الدعم الأميركي والضعف الذي تظهره هذه الدول حيال الولايات المتحدة. أظن أيضاً بأنه اذا حصل أي عدوان إسرائيلي على ايران -خصوصاً وأنها أكدت أنها لن تتعاطى مع الرئيس الأميركي في الملف النووي تحت أي ضغط – فإن ذلك سيحرك جبهات في العراق واليمن .”
تكوين “كونتونات” بالدم
ويعتبر ريفي: “أن ما يجري في سوريا اليوم من انتهاكات وعدوان هي محاولة لتأليب بعض المكونات السورية على بعضها البعض، كما حصل مع الدروز. ولا بد هنا من ذكر أن طائرات تركية حلقت فوق دمشق في رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن تركيا تريد أن تحمي السنة في حين كانت إسرائيل بدأت الحديث عن حماية الدروز. وهنا نرى أن ترك الامور على غالبها من هذا التقسيم الذي بدأ في سوريا ومحاولة تكوين “كونتونات” بالدم كما يحصل في الساحل العلوي، قد يجعل إسرائيل تطرح على العلويين الحماية وايضاً على المسيحيين، وبالتالي فإن تصحيح هذا الأمر هو على عاتق الحكومة السورية و أحمد الشرع الذي لا يملك إلا خياراً وحدة الأراضي السورية وجمع مكونات سوريا الوطنية ضمن بوتقة وطنية واحدة، لأنه في حال تقسمت سوريا فإن هذا الأمر سينعكس على كل الدول المحيطة بها. هذا هو مخطط إسرائيل القديم منذ الستينات، فإسرائيل تخطط ونحن نتجاهل والعرب يتجاهلون، وعندما يبدأ التنفيذ يفاجأ العرب وكأنهم غير مدركين لما يحصل في حين انهم على علم بهذه المخططات خصوصاً، وأنها ليست مخفية بل هي واضحة وظاهرة للعيان. وبالتالي، فإن إسرائيل وأميركا تريدان أن تتحول هذه المنطقة إلى دويلات طائفية مذهبية متناحرة تكون إسرائيل ضمانة كل منها أمنياً، وعندها تستطيع أن تتحكم في هذه المنطقة، فيكون هذا التقسيم بداية نحو تحقيق إسرائيل من المحيط إلى الخليج. لا يظن أي بلد عربي بأنه في منأى عنها، فإذا سكت العرب اليوم عن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر وسكتوا عما يجري في سوريا، فإن الدور سيأتي على الجميع. لذلك لا بد من وقفة عربية قوية قادرة وشجاعة من أجل التصدي لكل هذه المخططات وعدم الرضوخ إلى الأميركي في كل ما يريد، وفي حال كان العرب مضطرين للعلاقة مع الأميركي فلتكن علاقة ندّية.”
مستهجنة ومستنكرة
ويرى ريفي: “أن زيارة وفد درزي سوري إلى الأراضي المحتلة مستهجنة ومستنكرة، ويبدو أن هناك محاولات حثيثة لإضعاف القيادات الدرزية الوطنية العربية لمصلحة الفريق الدرزي الموالي لإسرائيل، وخصوصاً المتواجدين في سوريا. لا يمكن لأي كان أن يقبل بما يحدث تحت أي عنوان، سواء عنوان الحماية او غيره، أو أن يقبل في ان يكون الموحدين الدروز يميلون كل هذا الميل إلى اسرائيل والرعاية الإسرائيلية، وأن يرفع العلم الإسرائيلي في مناطقهم. وعليه، سيكون هناك صراع حقيقي لدى هذه الطائفة الأساسية في هذه المنطقة بين مَن يريد أخذها إلى اسرائيل وبين مَن يريد التمسك بالعداء لإسرائيل والعروبة. وأظن أن ذكرى كمال جنبلاط امس في المختارة والمشهدية كانت كفيلة بهذا الرد، ولكلمة وليد جنبلاط وقع أساسي في هذا الإطار، وهي ربما تعيد البعض إلى رشدهم، أو ربما تكون منطلقاً لصراع ضمن الطائفة الواحدة على المسلمات والخيارات.”