أخباركم – أخبارنا/ ريما فليحان
ولدت في مدينة حلب، حي سيف الدولة في عائلة درزية، جدتي من جهة والدتي مسيحية من معلولا.. حين كنت صغيره في حلب كنت أقضي كثير من الأوقات مع رنا بنت الجيران وكنت أحظى بالدلال والعناية من أمها وكانت عائلتي وعائلتها كأسرة واحدة.. انتقلنا بعدها الى دمشق وكنا نعيش في حي الميدان الدمشقي.. هناك سرقتني الشام، فمن يشرب من مائها يبقى أسيرها الى الأبد، قضيت برفقة هنادي صديقة الطفولة إبنة العائلة السنية يومياتي يوما بيوم. جرينا مع صديقات أخريات في الاحياء الضيقة.. ضحكنا وتشاجرنا، قرعنا الأبواب وهربنا، أكلنا الفول النابت والعرانيس، وكنت أحيانا أصوم مع هنادي في رمضان ليوم أو يومين، وأرافقها في عيد الفطر لنقضي معظم اليوم على الاراجيح.. كنت أيضا رفيقة جدتي مريم إلى الكنيسة في باب توما وأنا طفلة، و كانت تأخذني معها خاصة في الأعياد، وكانت تسلبني الأجواء والترانيم، وكنت أتمتع بزيارة السويداء أيضا لأقضي مع عائلتي ورفاقي هناك أجمل الأوقات، تعرفت فيها على الثقافة المعروفية من قصص رواها لي خال أبي مفاهيم النخوة والفزعة والشجاعة وقصص الثورة السورية وبلدتنا عرمان، قصة بستان شلغين وسلطان الاطرش وآخرين، استقرت عائلتي في السويداء، وهناك كبرت ودرست في مدارسها حيث كونت صداقات جميلة سواء بالمدرسة أو بالعمل والجيران دروز، مسيحين، وسنة،
واظب جيراننا من حلب على زيارتنا حتى بعد وفاة والدي، وكان لهم معزة خاصة لدينا، وما زلت أفكر فيهم حتى اللحظة بين الحين والآخر .. أين أصبح كل واحد فيهم، كما واظبت على زيارة دمشق بيت جدي الكائن في بستان الفوال، حي باب مصلى، وكنت ازور صديقة الطفولة في كل مره أذهب هناك فقد كانت بالنسبة لي بمثابة أخت،
أثناء دراستي في الجامعة كان لدي اصدقاء من كل الطوائف، عرب وكورد واشوريين، وكنتيجة ربيت أطفالي على محبة الجميع واحترام الجميع وأن الدين في الأخلاق والضمير…
في بداية الثورة ومع بداية التنسيقيات كنا مجموعات من السوريين والسوريات كان بيننا المسلم المتدين، العلماني، الملحد، المسيحي، العلوي، والدرزي، العربي والكوردي ومن مختلف مناطق سوريا نساء ورجال، جمعتنا الثورة، جمعنا ما هو أكبر من انتماءاتنا الضيقة جمعنا حلم و حب البلد ورفضنا للقهر الذي عاشه السوريون لنصف قرن من حكم مافيا الأسد. حلمنا أن يكون لنا وطن، نحبه ويحبنا، نكون فيه أحرار، نستطيع ان نقول فيه ما نشاء دون خوف، ان يكون لدينا حكومة تحقق لنا الديموقراطية، فيها تداول سلطة، ليس فيها فساد ومحسوبيات، ليس فيه قمع، ولا تسلط، حكومة عادلة ورشيدة ونكون فيها مواطنيين ومواطنات….
في أحلك اللحظات التي عشناها كنا روح واحدة قلب واحد، تجمعنا الدمعة والضحكة والأمل والقهر، في ضيقي وكربي قبل الخروج من سوريا وبعد الخروج من سوريا وقف الى جانبي سوريون من كل الطوائف والخلفيات، وبدوري وقفت الى جانب السوريين المكلومين دون أن اكترث ما هو دينهم، من أي منطقة هم.. في كل مره كانت تعلو فيها أصوات غريبة عما أعرفه عن سوريا والسوريين كنت أتذكر كل ذلك..
قتلتني دموع اطفال درعا فكتبت البيان الشهير ببيان الحليب، ابكتني المجازر والقتل التي ارتكبها النظام فكرست روحي قبل صوتي وقلمي وجهدي لمن أحبهم.. السوريين جميعا.. كذلك فعل الاخرون كنا كثر آن ذاك.. نحن من جمعنا حلم بوطن….
أذكر جامع الدقاق الذي اختبأنا به حين حوصرنا بالميدان وكنا من طوائف متعددة، أذكر العائلة التي خبأتنا حتى الفجر.. اذكر ألمي حين قام الأمن بالتخريب داخل جامع الرفاعي وكيف توجهت مع خلود واخريات للمساعدة بتنظيف المكان ولم يكن ذلك بدافع ديني، بل لأنني ضد الظلم ككثير من السوريين والسوريات..
ازعم انني أحب كل السوريين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والعرقي..
ازعم ان حي الميدان يتقاسم قلبي مناصفة مع حجارة السويداء،
ازعم ان هناك من أغمض عينيه من السوريين وهو ممسك بالحلم..
حلمنا لم يكن مخصص لطائفة، او اثنيه، بل كان مخصصاً لكل السوريين..
اعذروا غضبي وقهري لأنني كنت أرجو ان يتوقف الألم بسقوط النظام، كنت أرجو ان لا تسفك الدماء بعدها..ما زالت تقهرني الدماء كل الدماء،
كنت وما زلت أرجو ان نتشارك في بناء ما تهدم وان نطبطب الجراح معا..
أكره العنف، أكره السلاح، وأحب الوطن واحبكم جميعا .. تعالوا نتذكر الحلم عسى أن نستفيق من كابوس الكراهية والتحريض
دعونا نحقق الحلم يجمعنا وطن نحبه ويحبنا.
