خاص: أخباركم – اخبارنا
في المشهد اللبناني المعقد، حيث تتداخل الولاءات السياسية مع الحسابات الأمنية، يبرز موقف “حزب الله” من الجيش اللبناني كحالة دراسية لاستراتيجيةٍ تعتمد على التلاعب بالتناقضات. فبينما ترفع قيادات الحزب شعارات التضامن مع المؤسسة العسكرية وتُشيد بدورها “الوطني”، تتحرك قواعده الشعبيّة على الأرض لتصوير الجيش كعدوٍّ أو كـ”أداة خاضعة لأجندات خارجية”. هذا التناقض ليس مجرد صدفة في خطابٍ عابر، بل هو جزءٌ من سياسة ممنهجة تهدف إلى إضعاف هيبة الدولة تدريجيًّا، مع الحفاظ على شرعية مزيفة تتيح للحزب المناورة بين تعزيز نفوذه الميداني وتجنُّب الاصطدام المباشر بمؤسسةٍ تحظى بدعم داخلي ودولي.
عند كل مفصل يعمد انصارر حزب الله الى مهاجمة الجيش اللبناني باتهامه بـ “العمالة والخيانة”، واخرها ما حصل أمس مع قوة من الجيش اللبناني التي دخلت إلى الجزء اللبناني من بلدة حوش السيد علي، فلم يتوانَ “حزب الله”، المتستِّر بالعشائر والأهالي، عن الهتاف ضد الجيش، واتهام ضباط القوة وعناصرها بأنهم “عملاء”هذا في وقت يظهر المسؤولين في حزب الله ويشيدون في االجيش وبعربون عن ثقتهم به.
ففي الوقت الذي كان انصار الحزب يكيلون الاتهامات بالخيانة والعمالة للجبش كان عضو كتلة الوفاء للمقاومة حسين الحاج حسن يشيد به وبدوره حيث قال في حفل تابيني لشهداء حزب الله “الجيش اللبناني قام بدوره وحشد قواته ودخل إلى بلدة حوش السيد علي “، وحيا “قيادته وضباطه وجنوده، وقائده المعين حديثا العماد رودولف هيكل ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال عنه انه” كان على السمع الدائم معنا والتواصل المستمر”.
السياسة المزدوجة التي يمارسها “حزب الله” تجاه الجيش اللبناني ليست جديدة، وهي جزء من استراتيجيته العامة التي تقوم على التلاعب بالتوازنات الداخلية بما يخدم مصالحه. وهناك أسباب عدة لهذا التناقض في المواقف:
خطاب مزدوج بين القاعدة والقيادة:الحزب يوجه خطابًا شعبويًا لأنصاره، يعزز من سلطته في المناطق التي يسيطر عليها عبر تصوير أي تحرك عسكري رسمي بأنه “مشبوه” أو “يستهدف المقاومة”. في الوقت نفسه، يحافظ قادته على خطاب رسمي إيجابي تجاه الجيش لعدم التصادم المباشر مع المؤسسة العسكرية، التي لا يزال يحتاج إلى غطائها في الداخل والخارج.
التحكم في ردود الفعل الشعبية: الحزب يستخدم أنصاره و”العشائر” كواجهة للتعبير عن مواقف متشددة يمكنه لاحقًا التنصل منها أو تخفيفها عند الحاجة، وهو أسلوب يسمح له بتوجيه رسائل سياسية غير رسمية دون أن يتحمل المسؤولية المباشرة عنها.
استمرار النفوذ داخل مؤسسات الدولة: رغم تهميشه للدولة اللبنانية لصالح مشروعه الخاص، يدرك الحزب أنه بحاجة إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع الجيش، باعتباره المؤسسة الوحيدة التي لا يزال لديها شرعية وطنية واسعة. لذا، يلجأ الحزب إلى مدح الجيش عندما يكون ذلك ضروريًا سياسيًا، مثلما فعل نائبه في حفل التأبين.
الاستفادة من التناقضات: الحزب يتلاعب بهذه المواقف المزدوجة لتحقيق مكاسب على أكثر من صعيد. فهو يريد من جمهوره أن يبقى في حالة استنفار ضد أي تحرك قد يُفهم على أنه محاولة للحد من نفوذه، وفي الوقت نفسه يريد الحفاظ على علاقاته مع القيادة العسكرية والسياسية في لبنان.
بالتالي، هذه السياسة المزدوجة ليست ارتجالية، بل محسوبة بدقة لتخدم أجندة الحزب في الداخل والخارج.