أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
كل عام وكل الأمهات، بلا تمييز في الهوية أو العرق، بألف خير.
في 21 آذار من كل عام، يحتفل اللبنانيون بـ عيد الأم، يوم يحمل رمزية التقدير والمحبة والعرفان للنساء اللواتي شكلن دعامة الأسر والمجتمعات. لكن خلف أجواء الورود والكلمات الدافئة، يقبع واقع مرير تعيشه آلاف الأمهات في لبنان، في ظل أزمة اقتصادية خانقة جعلت من هذا العيد مناسبة ثقيلة بطعم المعاناة، لا سيما حين تتحول أبسط مقومات الحياة إلى تحديات يومية.
إحصائيات مؤلمة تعكس الأزمة
الأرقام الصادرة عن مؤسسات رسمية ودراسات ميدانية تؤكد عمق التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية على واقع الأمهات في لبنان:
• انخفاض الولادات: بحسب المديرية العامة للأحوال الشخصية، تراجع عدد الولادات من نحو 93,000 ولادة عام 2018 إلى 68,000 ولادة عام 2021، ما يعكس تردد الأزواج في الإنجاب بسبب الغلاء المعيشي وصعوبة تأمين احتياجات الأطفال الأساسية من حليب وحفاضات وطبابة.
• ارتفاع بطالة النساء: كانت نسبة بطالة النساء 14.3% قبل الأزمة، لكن في ظل الانهيار المالي، ارتفعت هذه النسبة إلى 26% في سبتمبر 2020، مع فقدان نحو 110,000 امرأة أعمالهن أو خروجهن من سوق العمل نتيجة التقلص في القطاعات الإنتاجية والخدمية.
• زيادة وفيات الأمهات: سُجلت 23 حالة وفاة لأمهات لبنانيات و22 حالة لأمهات سوريات عام 2021، مقارنة بـ 9 حالات فقط لكل فئة في العام الذي سبقه، ما يدل على تدهور خدمات الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إلى الطبابة خلال الحمل والولادة.
من قلب الأزمة: شهادات أمهات
أشواق منصور (44 عامًا)، أم لثلاثة أطفال، تقول:
“نقلت ابنتي من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية لأنني لم أعد قادرة على تحمّل كلفة الأقساط. لكن فوجئت بقرار وزارة التربية بأن الأولوية للتسجيل تُمنح للبنانيين من أب لبناني. شعرت وكأنني غير مرغوب بي في وطني.”
نوال، أم لولدين، تعمل اليوم في تنظيف المنازل بعد أن فقد زوجها عمله:
“لم أتخيل في حياتي أن أعمل بهذا المجال، لكن الحاجة أقوى من الكرامة أحيانًا. لا أفكر إلا بأطفالي وبكيفية تأمين طعامهم وتعليمهم.”
تحديات تتضاعف يومًا بعد يوم
واقع الأمهات في لبنان بات محكومًا بتحديات متشابكة:
• الاحتياجات الأساسية: ارتفاع أسعار الحليب، الحفاضات، الأدوية حوّل تأمينها إلى معركة يومية.
• التعليم: الانتقال من المدارس الخاصة إلى الرسمية بات ضرورة للكثيرين، لكن المدارس الرسمية تعاني من اكتظاظ وضعف في الإمكانيات، ما يهدد بانقطاع الأطفال عن التعليم أو تراجع جودته.
• الصحة: تدهور القطاع الصحي وغلاء الكشفيات والفحوصات زاد من معاناة الأمهات، وخاصة الحوامل، في ظل نقص الرعاية الأولية وغياب الدعم الاجتماعي.
أمهات صامدات رغم الألم
رغم كل الظروف القاسية، لا تزال الأمهات اللبنانيات في الصفوف الأولى للصمود. من يعملن في المنازل أو المزارع أو على أرصفة الأسواق، إلى من يربين أطفالهن وحدهن في ظل غياب المعيل، كلهن يجمعهن إصرار لا يلين على النجاة والكرامة.
في هذا العيد، لا تكفي الكلمات، بل تُصبح الحماية الاجتماعية وكرامة العيش ضرورة عاجلة. فتحية من “أخباركم – أخبارنا” لكل أم، لكل امرأة تحمل على كتفيها همّ أسرة وأمل وطن.
في عيدهن، نتمنى أن يحمل الغد لهن ولأولادهن عدالة اجتماعية، ورغيفًا كريمًا، وأمانًا صحيًا وتعليميًا، لأن الأمهات في لبنان يستحقن أكثر بكثير مما تمنحه لهن هذه الأزمة.