أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
النوروز: عيد الحياة والتجدد… ونَفَسُ الحرية بعد استشهاد مهسا أميني
في 21 آذار من كل عام، يحتفل الأكراد في إيران، كما في مناطق انتشارهم الأخرى، بـعيد النوروز، وهو عيد رأس السنة الكردية والفارسية، المتجذر في الحضارات الزرادشتية القديمة. يعني “نوروز” بالفارسية “اليوم الجديد”، ويمثل رمزية قوية للطبيعة المتجددة، والحياة التي تنبعث من جديد مع حلول الربيع.
لكن في إيران ما بعد 2022، لم يعد النوروز مجرّد احتفال موسمي، بل بات مناسبة ترتبط بوضوح بروح النضال والكرامة، خاصة بعد استشهاد الشابة الكردية مهسا أميني، التي قضت في حجز شرطة “الأخلاق” في طهران، ما فجّر واحدة من أوسع الانتفاضات التي عرفتها البلاد، قادتها النساء والشباب، وامتدت إلى جميع المحافظات الإيرانية.
منذ تلك اللحظة، بات النوروز للنساء في إيران، وخاصة الكرديات، عيدًا بطعم الثورة والتحرر. لقد اكتسب هذا العيد أبعادًا سياسية وإنسانية جديدة، تُعبّر عن التوق إلى الحرية، ورفض نظام ولاية الفقيه، الذي أصبح عبئًا قمعيًا على شتى فئات المجتمع الإيراني.
الواقع الكردي في إيران: بين القمع والتمييز
يشكّل الأكراد نحو 10% من سكان إيران، ويتمركزون بشكل أساسي في محافظات كردستان، كرمانشاه، وأذربيجان الغربية. رغم الاعتراف الدستوري بالأقليات، إلا أن السلطات الإيرانية تتعامل مع الأكراد كتهديد أمني دائم، وتفرض عليهم قيودًا صارمة في عدة مجالات:
• اللغة والتعليم: يُمنع التعليم الرسمي باللغة الكردية، رغم النص الدستوري الذي يجيز ذلك نظريًا.
• الاقتصاد والتنمية: المناطق الكردية من بين الأفقر والأقل تطورًا في إيران، حيث تعاني من ضعف البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية.
• التمثيل السياسي: يُقصى الأكراد من المواقع السيادية، وتُرفض غالبًا ترشيحاتهم في الانتخابات البرلمانية والمحلية.
• القمع الأمني: تُقابل الفعاليات الثقافية أو السياسية الكردية بالقمع، وتُوجّه للناشطين تهم “الانفصال” و”الإخلال بالأمن القومي”.
المعارضة الكردية الإيرانية: أطياف متعددة ونضال مشترك
في مواجهة هذه السياسات، برزت عدد من الفصائل الكردية المعارضة التي تتخذ من إقليم كردستان العراق قاعدةً لها، بسبب الحصار الأمني داخل إيران. من أبرز هذه الفصائل:
1. الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (PDKI)
• تأسس عام 1945
• يتبنى فكرًا ديمقراطيًا قوميًّا علمانيًا
• ينادي بحكم ذاتي ديمقراطي داخل إيران
2. حزب كومله الكردستاني الإيراني (Komala)
• تأسس عام 1969 كحزب ماركسي، ثم تحول إلى حزب ليبرالي وسطي
• ينشط سياسيًا في السليمانية، ويركز على الحقوق القومية
3. حزب الحياة الحرة في كردستان (PJAK)
• تأسس عام 2004، متأثر بأفكار عبد الله أوجلان
• ينشط عسكريًا ضد الحرس الثوري، وتعتبره طهران وواشنطن منظمة إرهابية
مطالب المعارضة الكردية: حقوق واضحة في إطار ديمقراطي
تشترك معظم القوى الكردية في مطالب أساسية، هي:
• الاعتراف الرسمي بالهوية القومية الكردية
• السماح بالتعليم باللغة الكردية في المؤسسات العامة
• إنهاء التمييز الاقتصادي والسياسي ضد الأكراد
• تطبيق نظام فيدرالي ديمقراطي داخل إيران
• إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف القمع الأمني
بعد انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”… النوروز يحمل شعلة التغيير
لا يمكن فصل عيد النوروز اليوم عن الحراك الثوري النسوي والشعبي في إيران. فالاحتفال لم يعد مجرد طقس ربيعي، بل صار تظاهرة غير معلنة لرفض النظام، خصوصًا بين الأكراد الذين كانوا دائمًا في طليعة الرفض والاحتجاج.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطات منع رفع الأعلام الكردية أو ترديد شعارات الحرية خلال احتفالات النوروز، يصرّ المحتفلون على جعل المناسبة صرخة سياسية وثقافية ضد الاستبداد.
نساء إيران، والنساء الكرديات تحديدًا، يقدن اليوم مسار التغيير بكل شجاعة، رافعات شعار “المرأة، الحياة، الحرية” كعنوان للنوروز الجديد، نوروز الكرامة والحق.
خاتمة: عيد بنكهة الثورة
رغم كل القيود والانتهاكات، يثبت الشعب الكردي في إيران في كل عام أن الهوية لا تُقمع، وأن الأعياد القومية هي منصات للرفض والصمود. عيد النوروز هذه السنة، يأتي بطعم الانتفاضة، محمّلًا برسائل الحرية والمقاومة، ورغبة واضحة في كسر قيود الديكتاتورية وإعادة رسم مستقبلٍ يليق بإيران متعددة وقائمة على العدالة.
عيد النوروز في إيران لم يعد مجرد بداية للربيع… بل صار إعلانًا متجددًا لثورة مستمرة.
