أخباركم – أخبارنا/ “قراءة في حدث”/حاورته ناديا شريم
مع بداية الأسبوع، كان الحدث على الحدود الشمالية والشرقية التي شهدت معارك أوقعت عدداً من القتلى والجرحى وتسببت بالكثير من الإضرار. ثم انتقل الحدث إلى الجنوب الذي شهد تطوراً خطيراً تمثل في إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وتسبب بردة فعل إسرائيلية عنيفة في الجنوب والبقاع.
أمام هذه التطورات يبدو أننا أمام مشهد جديد، وان لبنان الرسمي والشعبي دخل في مرحلة جديدة من الكباش والضغوط الداخلية والخارجية، مع ما يحمل ذلك من مخاطر على كل المستويات.
أمام كل هذه المتغيرات السريعة، يقول الصحافي والكاتب السياسي صبحي ياغي لموقعنا، إن ما جرى على الحدود الشمالية الشرقية من معارك لا يتعلق بتوقيت معين، ذلك أن المنطقة تشهد مشاكل كثيرة خصوصاً بين المهربين الذين ينتمون إلى الطرفين، وتجري مفاوضات بين الحين والآخر لأن المنطقة كانت عبارة عن معابر غير شرعية مفتوحة بين البلدين ولا تخضع بالتالي لأي رقابة أمنية ويتم فيها تهريب الأسلحة والبضائع. وقد يكون نشوء نظام جديد في سوريا، أدى إلى إيجاد خطوط تهريب جديدة كانت السبب المباشر لحصول هذه المعارك. الروايات اختلفت حول الأحداث، لكن المستغرب في الموضوع أن حزب الله أصدر بياناً نفى فيه اي علاقة له بما يجري، إلا أنه أصدر في وقت لاحق نعياً رسمياً بالعناصر الذين سقطوا داخل سوريا واعتبرهم من شهدائه .
أما إذا كان هذا الأمر مفتعلاً للضغط على العهد، فإن ذلك قد يكون من الجانب السوري. أمام هذا الواقع، كان من المهم أن الجيش قام بمهامه ودافع عن أرض وسيادة وحدود لبنان ولم يتهاون أبداً. وفي الوقت نفسه كان عادلاً ومنصفاً وشكل عامل أمان واطمئنان للأهالي وحتى للجانب السوري الذي اطمأن الى أن الجيش اللبناني سيطر على الحدود. وهنا علينا أن نحيي خطوات الجيش ونقف معه، ومن المعيب جداً أن نتعرض له لأنه شرف الوطن، وقد برهن رغم اختلاف المراحل بأنه الجهة الضامنة.
لكن هل تمهد الأحداث لتمديد القرار الدولي؟
يجيب ياغي، أن ما يجري على الحدود الشمالية الشرقية يمهد لامتداد القرار 1701 إليها ولترسيم الحدود اللبنانية – السورية وفرض الأمن، وهذا حافز للدولة اللبنانية لنشر الجيش بشكل فعلي على الحدود مع سوريا وضبطها بشكل صحيح. بالطبع، إن اي دولة لا تستطيع أن تضبط حدودها بشكل كامل، فحتى الولايات المتحدة عجزت عن ضبط حدودها مع المكسيك، لكن يجب أن يكون هناك هيبة للسلطة وأن تقوم الدولة بإقفال المعابر غير الشرعية.
وعما إذا كان لبنان يتأثر بعودة الحرب إلى غزة؟ يشدد ياغي على أنه يتأثر جداً بعودة هذه الحرب، بدليل ما حصل منذ عملية “طوفان الاقصى” من تدمير للبلد. أما عن مدى هذا التأثر، فهذا يعود أيضاً إلى مدى مشاركتنا فيها. فإذا لم يشارك حزب الله في الحرب ولم يقم بأي خطوات عسكرية، فلا مبرر لإسرائيل لاستهداف لبنان بعمليات عسكرية إلا إذا حاولت بعض الاطراف استخدام لبنان كمنصة وساحة صراع أو صندوق بريد كما جرت العادة، فهذا موضوع آخر. وفي هذا السياق، إن توجيه الولايات المتحدة ضربة إلى إيران بعد ضرب الحوثيين يتعلق باحتمالين، ذلك أن الرئيس دونالد ترامب يتجنب توجيه هذه الضربة إلى إيران، فيما كانت ضربة اليمن ضربة غير مباشرة لإيران ورسالة غير مباشرة من واشنطن إلى طهران. وقد تكون إيران فهمت هذه الرسالة وهو الاحتمال الأول، أما الاحتمال الثاني فهو أن إيران برهنت أنها أذكى من أن تشارك في حرب مع أميركا وإسرائيل. لذلك نراها تناور بقدر ما تستطيع لكي تتجنب الحرب، والوصول إلى اتفاق معين مع واشنطن بالطرق السلمية. فحتى الرئيس ترامب هو من دعاة “صفر حروب” في المنطقة، ويسعى إلى تحقيق كل المطالب عن طريق الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية والأمنية. وهنا يجب أن ننتبه إلى أن ضرب الحوثيين لا يهدف إلى القضاء عليهم، كما أن ضربة إيران -لو حصلت- لا تهدف إلى ضرب النظام بل إلى تهذيب السياسة الإيرانية في المنطقة وإضعافها ومحاصرتها.
اما في ما يتعلق بأحداث الجنوب، فيشدّد ياغي على أن ما حصل في الجنوب من إطلاق صواريخ يشكل مؤشراً خطيراً جداً خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد والمنطقة، وهو يحمل في طياته رسائل عدة أبرزها رسالتان:
١- الأولى إلى الداخل وهي من حزب الله وموجهة للخطاب الرسمي اللبناني بشكل عام، والذي عبّر عنه قبل يومين رئيس الحكومة نواف سلام حيث قال “ان معادلة الجيش والشعب والمقاومة أصبحت من الماضي”، مشدداً على أن قرار الحرب والسلم هو بيد الدولة اللبنانية ولا سلاح إلا سلاح الشرعية، فأتى إطلاق خمسة صواريخ بمثابة رد على رئيس الحكومة وموقف الدولة اللبنانية بشكل عام، وكأن حزب الله يقول “انا هنا وما زال سلاحي معي، وما زلت سيد الموقف، وأنا من يحدد ساعة الحرب وساعة السلم وأن سلاح المقاومة باق”. هذا ما أكده كثيرون من جراء تصاريح حزب الله في خطاباته، رغم قول الأمين العام للحزب أن الحزب يقف وراء الدولة، فيما الواقع أمر مختلف لأن هناك تقارير أميركية تفيد بأن الحزب لا يزال يحتفظ بترسانته وصواريخه وهو في حالة استعداد. وقد تمكن مؤخراً من إعادة بنيته التنظيمية والعسكرية وملء الفراغات في بعض المواقع. وهناك مخاوف جدية من احتمال عودة الحرب، لأن الحزب صار في زاوية ضيقة جداً بحيث انه لم يتمكن حتى الآن من إعادة المهجرين من اهل الجنوب، ولا من إطلاق ورشة الإعمار بعدما كان الشيخ نعيم قاسم قد وعد بذلك، لكنه عجز تحقيق هذا الامر. صحيح انه دفع بعض الأموال كمساعدات ايواء وسكن، لكنه عاجز عن دفع الأموال لإعادة الإعمار. من هنا، قد يكون هدف الحرب هو إعادة خلط الأوراق لمصلحة الحزب.
٢- اما الرسالة الإيرانية، فهي موجهة للعالم وللبنان وللدول العربية، خصوصاً بعدما سمعنا رسالة الإمام الخامنئي الذي رد فيها بطريقة غير مباشرة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما مفاده أن إيران لا تخشى التهديدات الأميركية وأنها ستظل تدعم الساحات المقاومة في العالم .
واعتبر ياغي أن الموضوع ليس بالسهل، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية إلى التحرك فوراً كذلك رئيس الحكومة وحتى رئيس مجلس النواب الذي أطلق مواقف متمايزة، داعياً الجيش إلى الإمساك بالساحة والتحقيق بما جرى. حتى أن حزب الله، أصدر بياناً نفى فيه مسؤوليته، معتبراً أنه مع وقف إطلاق النار. لكن البيان شيء والواقع شيء آخر، فالكل يتساءل من المستفيد مما جرى، وبالتالي أي جهة تنظيمية قادرة أن تطلق صواريخ في الجنوب، ما دام حزب الله هو الوحيد في تلك المنطقة. إن الأيام المقبلة كفيلة بأن تظهر حقيقة ما جرى، مع الأخذ في الإعتبار الرد الإسرائيلي الذي تمدد وتوسع بمزيد من العمليات العسكرية ضد لبنان وطال بعض الأهداف والمواقع. مع ضرورة الاعتراف بأن هذا الواقع لا يتماثل مع واقع الشعب وواقع الدولة التي بدأت تتعافى وتحاول القيام بإصلاحات ادارية وتنظيم الاقتصاد، لأن البلد في غنى عن عودة هذه الحرب.