الأربعاء, أبريل 30, 2025
18.4 C
Beirut

يحيى جابر: المسرحي الذي جعل لبنان خشبةً واحدة وأعاد تعريف الطوائف بالمسرح

نشرت في

أخباركم – أخبارنا
في مشهد مسرحي لطالما اتُّهم بالركود، يبرز يحيى جابر كظاهرة فريدة، تدمج بين الشغف المسرحي والرؤية السوسيولوجية. لا يقدّم جابر مجرد عروض للترفيه، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يحوّل المسرح إلى مرآة حقيقية للمجتمع اللبناني المتشظي، الطائفي والمناطقي. من “مجدّرة حمرا” إلى “من كفرشيما للمدفون” و”شو منلبس”، نجح جابر في صياغة أعمال تحاكي الواقع اللبناني ببراعة، مستخدمًا لغة الخشبة لفهم تعقيدات الهوية والانتماء، مكرّسًا نفسه مؤلفًا ومخرجًا ومحللاً اجتماعياً بامتياز.

يحيى جابر: الكاتب الذي جعل الطوائف تتحدث من فوق الخشبة

يشكّل يحيى جابر حالة نادرة في المسرح اللبناني والعربي، حيث نجح في تحويل أعماله إلى وثائق حيّة تتنفس الواقع اللبناني وتشرّحه، من خلال مقاربات جريئة وساخرة في آن. لا يقتصر مسرح جابر على الترفيه أو التنديد السياسي، بل ينغمس بعمق في تحليل بنية المجتمع، وطرح الأسئلة الجوهرية عن الهوية والانتماء والعلاقات بين الطوائف والمناطق.

جاءت أعماله كمونودرامات تعتمد على ممثل أو ممثلة واحدة، تُجسّد شخصيات متعددة، ما يجعل المسرح يتحول إلى فضاء مزدحم بالأصوات والقصص. في مسرحيته الأشهر “مجدّرة حمرا”، التي لا تزال تُعرض منذ أكثر من سبعة أعوام، يغوص في بنية المجتمع الشيعي، رافعًا الغطاء عن التحولات العميقة داخله، خصوصاً بعد اتفاق الطائف. المسرحية من بطولة أنجو ريحان التي قدّمت أداءً لافتًا جمع بين الكوميديا والوجع، واستحقت بجدارة جماهيرية نادرة في المسرح اللبناني الحديث.

أما في “من كفرشيما للمدفون”، فالمعالجة تتوجه نحو الانقسامات داخل المجتمع المسيحي، مستعرضًا الصراعات بين مكونات هذا الطيف اللبناني، فيما تغوص “شو منلبس” في تجربة اليسار اللبناني خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، مستحضرةً ذاكرة المقاومة والخذلان والانقسام، ومجدداً تلعب أنجو ريحان دور البطولة.

يُعرف عن جابر دقته في إعداد نصوصه، حيث يسبق العمل المسرحي بحثٌ ميداني طويل يتضمن إقامة حقيقية في البيئة المستهدفة، وتذوق طعامها، ومراقبة أمثالها، والاندماج في عاداتها. يقول جابر: “أضع نفسي مكان أبناء هذا المجتمع، ولا أستطيع أن أجعلهم يقولون ما أريد أنا. أنا أدعوهم إلى أن يرووا أنفسهم.”

ينطلق جابر من سؤال وجودي يشغله منذ عقود: هل اللبنانيون شعب واحد أم مجموعة شعوب؟ هذا السؤال هو بوصلته في أعماله. وهو ما يدفعه لعدم الاكتفاء بتقديم صورة طائفة واحدة في لبنان، بل يحرص على إظهار التنوع حتى داخل الطائفة الواحدة. فالشيعة في بعلبك، كما يقول، ليسوا مثل شيعة الجنوب أو الضاحية.

يعمل جابر في المسرح بوصفه عالم اجتماع وفنانًا في آنٍ معًا. لكنه كذلك يشبه طبيب النفس، إذ يقول إنه يبدأ العمل مع الممثل كمن يحلله نفسيًا، يستخرج ذاكرته وحكايته ومخاوفه، ليصيغ منها نصًا يمتزج فيه الفرد بالجماعة.

أعماله القادمة: من زغرتا إلى الحمرا

يستعد جابر لتوسيع خريطته المسرحية بعملين جديدين:

  • الأول يتناول منطقتي إهدن وزغرتا شمال لبنان، بطولة ماريا الدويهي، ابنة الروائي الراحل جبور الدويهي، وسيستعرض الموروث السياسي والثقافي والاجتماعي للمجتمع الماروني في الشمال.
  • الثاني بعنوان “شارع الحمرا”، وهو عمل غنائي يحتفي بهذا الشارع البيروتي التاريخي الذي كان رمزًا للحداثة والاختلاط الثقافي. يقول جابر عن الحمرا: “لبنان الأصلي كان هناك.”

المرأة في صلب مشروعه المسرحي

في معظم أعماله، اختار جابر ممثلات لتأدية الدور الرئيسي الوحيد، لأن المرأة، كما يقول، تمثّل الطرف المهزوم داخل كل طائفة. من ناتالي نعوم في “من كفرشيما للمدفون”، إلى أنجو ريحان في “مجدّرة حمرا” و”شو منلبس”، تتحوّل المرأة إلى صوت الذاكرة والتجربة، والمرآة التي يرى فيها المجتمع نفسه.

هوية مسرحية مستقلة وجماهيرية استثنائية

خلافًا لما يُشاع عن أزمة المسرح، يرى جابر أن التجربة الجادة قادرة على استقطاب الجمهور إذا قدّمت المتعة والفكر معًا. ويؤكد أن أعماله باتت تحمل هوية واضحة ومعروفة للجمهور، تجمع بين الفكاهة والبعد السياسي والاجتماعي.

المسرح بوصفه خلاصًا

أكثر ما يُميز جابر هو علاقته الشخصية بالمسرح، فهو بالنسبة له “وسيلة للبقاء على قيد الحياة”. يقول بصراحة مؤلمة: “المسرح منعني من الموت، من الانتحار، وساعدني في أن أظل حيًا.”


يحيى جابر ليس فقط صانع مسرح، بل هو باحث اجتماعي يستخدم الخشبة كمنصة لتحليل الكيانات الطائفية والسياسية في لبنان، دون أن يقع في فخ المباشرة أو التنظير. إنه المسرحي الذي منح صوتًا للهامش، وجعل من الطوائف اللبنانية أفرادًا لهم حكايات وتاريخ، وأعاد تشكيل الخريطة اللبنانية من خلال الفن، جاعلاً من المسرح أداة فهم ومصالحة وسخرية وألم… وربما أمل.

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

هدوء حذر في جرمانا بعد اشتباكات دامية على خلفية إساءة دينية وتحركات لاحتواء الأزمة

أخباركم - أخبارناهدأت الاشتباكات التي اندلعت في جرمانا على خلفية تسجيل صوتي يسيء للرسول،...

More like this

أقمار “أمازون” الإصطناعية: تأمين الإنترنت الفضائي ومنافسة “ستارلينك”

أخباركم - أخبارناأطلقت شركة "أمازون"، المملوكة للملياردير جيف بيزوس، أمس الاثنين، أول دفعة من...

الذكرى الثانية لرحيل قاسم بركات: فارس المقاومة وقائد الدبابات والمتفاني في سبيل الوطن!

أخباركم - أخبارنا كتب حسين قاسم: بمناسبة مرور سنتين على وفاة قاسم بركات خلال مسيرتنا...

يحيى جابر: لو بقيت لاجئًا أو طالبًا… أعض حوافري ندمًا!

أخباركم – أخبارنابيروت – في نص أدبي جديد، نشر الكاتب والمسرحي والمخرج اللبناني يحيى...