أخباركم – أخبارنا/ د. وفيق ريحان
قد تكون الأشهر الفاصلة عن موعد الإنتخابات النيابية القادمة في أيار للعام ٢٠٢٦ قليلة وغير كافية لرأب الصدع بين زعماء الطوائف وتخليهم عن الامتيازات الطائفية التي وفرها لهم دستور الطائف حتى الساعة، عبر المرحلة الإنتقالية منذ العام ١٩٩٠ من خلال تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة واعتماد المناصفة في التمثيل النيابي والحكومي بصورة مؤقتة، كذلك في وظائف الفئة الأولى، وذلك دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع مراعاة مبدأي الإختصاص والكفاءة.
ولقد أكدت المادة ٩٥ من الدستور اللبناني في مقدمتها، أنه يتوجب على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة وبين المسلمين والمسيحيين، وإتخاذ القرارات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، وتضم بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، مهمات دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية بالتعاون مع مجلس النواب والوزراء ومتابعة التنفيذ.
ويتبين من خلال ما تقدم، أن مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة، لم يضع حتى اليوم أية خطة مرحلية منذ العام ١٩٩٠، ولم يتم تشكيل الهيئة الوطنية القيام بالمهام والإجراءات المنوطة بها، بهدف إلغاء الطائفية السياسية وفقاً للمادة ٩٥ من الدستور.
ما هي الأسباب الجوهرية التي أدت الى ذلك
عندما طويت صفحة الحرب الأهلية الدامية في لبنان عام ١٩٨٩ في مؤتمر الطائف الذي تم برعاية الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، والذي انبثقت عنه وثيقة الوفاق الوطني بين اللبنانيين، كما استوحى منها نصوص الدستور الجديد عام ١٩٩٠، وحيث أنيطت الوصاية على تطبيق هذا الإتفاق في لبنان لسوريا حتى خروج أدواتها من لبنان عام ٢٠٠٥، بعد إغتيال رئيس حكومة لبنان آنذاك “السيد رفيق الحريري” وتدهور الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية بصورة مطردة منذ ذلك الوقت وحتى تاريخه.
إن السبب الرئيسي في عدم وضع الخطط المرحلية لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان يعود إلى تولي مهام السلطة في لبنان من قبل الأحزاب الطائفية وعدم اكتراثها بهذه العملية الدستورية التي تتنافى مع طبيعتها الطائفية، واستئثارها بالسلطة وتقوية نفوذها السياسي في السلطة بالاستناد الى مرتكزاتها الأساسية ذات السمة الطائفية وتغذية الروح المذهبية والمناطقية ضمن الطوائف، وتهميش دور الدولة المدنية في إدارة السلطة لصالح دور الميليشيات الطائفية في إدارة شؤون البلاد داخل السلطة وخارجها، واستخدام مؤسسات الدولة كستار للفيدراليات الطائفية والمذهبية على حساب السلطة المركزية للدولة التي شكلت جسر العبور لتلك الأحزاب لإمتطاء السلطات الدستورية على قاعدة المحاصصة في إقتسام مغانم السلطة، وإطالة أمد منطق المناصفة بين الطوائف الذي إعتمد دستور الطائف بصورة مرحلية مؤقتة للعبور نحو الدولة المدنية بعيداً عن الطائفية السياسية في نظام سياسي شبه علماني يستند الى مبدأ العدالة والمساواة في تطبيق القانون وإلى مبدأ الكفاءة والجدارة في تولي الوظائف العامة في الدولة.
كيف يمكن الولوج نحو قانون انتخابي غير طائفي؟
إن الولوج نحو إلغاء الطائفية السياسية في لبنان لا يمكن له أن يستند الى قانون إنتخابي يعتمد المناصفة في التمثيل النيابي أو الوزاري، بل ينبغي أن يستند إلى التمثيل السياسي على أسس غير طائفية أو مذهبية، وعلى برامج سياسة وطنية عابرة للطوائف والمناطق، وتصب في المصلحة الوطنية العليا للوطن، ويفترض الوصول الى ذلك وجود أحزاب وقوى سياسية غير طائفية بالحد الأدنى، علماً بأن غالبية الأحزاب الموجودة حالياً هي ذات مرتكزات طائفية أو مذهبية بوجه عام، ولها تمثيل راجح في المجلس النيابي، وأن إبتكار العملية القيصرية للخروج من القمقم أو العباءة الطائفية يرتكز الى مبادئ علمية ثلاثة:
أولها: إعتماد قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي يبدأ تطبيقه مرحلياً في الدوائر الموسعة والمختلفة طائفياً وعلى قاعدة النسبية وإعتماد اللائحة الإنتخابي بدلاً من الصوت التفضيلي، وأن يتم الإنتخاب على مرحلتين، يتأهل فيها المرشح بداية من خلال نيله أصواتاً محددة ومتساوية في جميع المناطق، تؤهله لخوض المنافسة في المرحلة الثانية.
ثانياً : تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان وإقرار الخطة المرحلية، وإصدار قانون إعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة وإعادة النظر في التقسيمات الإدارية بما يعزز الإنصهار الوطني والحفاظ على صيغة العيش المشترك على قاعدة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، ووضع قانون جديد لإنشاء الأحزاب السياسية للمساهمة في نشوء أحزاب وطنية وديمقراطية لاطائفية، ووضع البرامج التربوية التي تعزز مبدأ المواطنة والإنتماء الوطني، وعدم تقييد الحريات الإعلامية وحرية التعبير عن الرأي وفقاً للدستور.
ثالثاً : إنشاء مجلس للشيوخ مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية في لبنان، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، وذلك وفقاً للمادة ٢٢ من الدستور اللبناني.
إنها الخطوات الأساسية للعبور نحو مجتمع لاطائفي لأن الشعب هو دائماً مصدر للسلطات، وهو صاحب القرار الأول والأخير للتخلي عن النظام الطائفي، فهل سيتمكن اللبنانيون من القضاء على هذا النظام المدمر؟