أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
توفي الشاعر والكاهن واللاهوتي النيكاراغوي إرنستو كاردينال، أحد أعلام “لاهوت التحرير”، عن عمر يناهز 95 عامًا في 1 مارس 2020. كان رمزًا في الثورة الساندينية، ومناضلًا لحقوق الفقراء، وكاتبًا وشاعرًا ملهمًا. حياته كانت حافلة بالصراعات بين الإيمان والسياسة، إذ كان جزءًا من السلطة الثورية في نيكاراغوا، لكنه واجه غضب الفاتيكان بسبب نشاطه السياسي. ورغم تجميد نشاطه الكهنوتي بأمر من البابا يوحنا بولس الثاني عام 1983، إلا أن البابا فرنسيس أعاد الاعتبار له عام 2019.
لاهوت التحرير: الخلفية الفكرية لحركة كاردينال
لاهوت التحرير هو تيار فكري ظهر في أمريكا اللاتينية خلال ستينيات القرن العشرين، يجمع بين الإيمان المسيحي والنضال الاجتماعي ضد الفقر والظلم. يركز هذا النهج على تحرير الفقراء والمضطهدين من الاستغلال، ويرى أن الكنيسة يجب أن تكون منحازة للفقراء وليس للأنظمة السياسية القمعية أو للرأسمالية الاستغلالية.
نشأ هذا التيار كرد فعل على الظروف الاقتصادية والسياسية القاسية في أمريكا اللاتينية، حيث كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع، وكانت الكنيسة الكاثوليكية في بعض الأحيان متواطئة مع النخب الحاكمة. دعا لاهوت التحرير إلى تفسير الإنجيل من منظور الفقراء، معتبرًا أن رسالة المسيح تدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة.
أبرز رواد لاهوت التحرير:
- غوستافو غوتييريز (بيرو): يُعتبر المؤسس الفكري للحركة من خلال كتابه “لاهوت التحرير” (1971).
- ليوناردو بوف (البرازيل): ركز على دور الكنيسة في دعم الفقراء.
- إرنستو كاردينال (نيكاراغوا): جسد هذا الفكر عمليًا في تجربته مع الفلاحين في سولنتينامي.
واجه لاهوت التحرير انتقادات شديدة من الفاتيكان، خاصة في عهد البابا يوحنا بولس الثاني، الذي رآه قريبًا من الماركسية. لكن في عهد البابا فرنسيس، أعيد النظر في هذا الفكر، وتم إعادة الاعتبار لعدد من رموزه، مثل إرنستو كاردينال.
“لاهوت التحرير: التاريخ، السياسة، والخلاص” – الكتاب المؤسس
نشر غوستافو غوتييريز، أحد أبرز رواد لاهوت التحرير، كتابه الشهير “لاهوت التحرير: التاريخ، السياسة، والخلاص” عام 1971، ليصبح المرجع الأساسي لهذه الحركة اللاهوتية.
خلفية الكتاب:
نشأ هذا الكتاب كرد فعل على الفقر المدقع والظلم الاجتماعي المنتشر في أمريكا اللاتينية في ذلك الوقت. أدرك غوتييريز أن التعليم اللاهوتي التقليدي لم يكن كافيًا لمعالجة هذه القضايا، فقدم لاهوتًا عمليًا ملتزمًا بالتحرر الاجتماعي والسياسي.
أهم الأفكار الواردة في الكتاب:
- الخلاص لا يقتصر على البُعد الروحي، بل يشمل التحرر من الفقر والظلم.
- الخيار التفضيلي للفقراء: يجب أن تكون الكنيسة منحازة إلى الفقراء والمهمشين.
- دمج اللاهوت مع التحليل الاجتماعي-السياسي لفهم أسباب الظلم والسعي لتغييره.
تأثير الكتاب:
أحدث هذا العمل تحولًا كبيرًا في الفكر اللاهوتي، مما أدى إلى ظهور حركات مماثلة في مناطق أخرى، مثل اللاهوت الأسود في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، ولاهوت التحرير الفلسطيني. لكنه أيضًا تعرض لانتقادات شديدة من الفاتيكان، خاصة بسبب قربه من المفاهيم الماركسية.
الترجمات والانتشار:
تُرجم الكتاب إلى العديد من اللغات، بما في ذلك العربية، حيث نُشر بعنوان “لاهوت التحرير: التاريخ، السياسة، والخلاص”، مما ساعد في انتشاره عالميًا.
سيرته الذاتية
وُلد إرنستو كاردينال في 20 يناير 1925 في مدينة غرناطة، نيكاراغوا. درس الأدب في نيكاراغوا والمكسيك والولايات المتحدة، وانضم إلى دير ترابيست في كنتاكي، حيث تأثر بالراهب والشاعر توماس ميرتون. لاحقًا، أكمل دراسته اللاهوتية في المكسيك وكولومبيا، ورُسم كاهنًا عام 1965.
بعد سيامته الكهنوتية، أسس كاردينال مجتمعًا مسيحيًا في أرخبيل سولنتينامي على بحيرة نيكاراغوا، حيث جمع بين الفلاحين والفنانين والمثقفين في تجربة جماعية دمجت بين الفن والدين والسياسة. خلال هذه الفترة، كتب “إنجيل سولنتينامي”، أحد أهم أعماله الفكرية.
“إنجيل سولنتينامي”: مشروع لاهوت التحرير
يُعد “إنجيل سولنتينامي” أحد أبرز الأعمال الأدبية لكاردينال، حيث يعكس تجربته الفريدة في دمج الإيمان المسيحي مع الواقع الاجتماعي للفلاحين والفنانين في نيكاراغوا.
محتوى “إنجيل سولنتينامي”:
يتكون العمل من حوارات وتأملات حول الأناجيل المسيحية، حيث يعبر الفلاحون والفنانون عن فهمهم الشخصي للنصوص المقدسة. يعكس هذا الكتاب تطلعاتهم للعدالة والتحرر، مما جعله من أهم النصوص في لاهوت التحرير.
قصيدة “صلاة من أجل مارلين مونرو”
من أبرز أعمال كاردينال الأدبية قصيدته “صلاة من أجل مارلين مونرو”، التي كتبها في ستينيات القرن الماضي. في هذه القصيدة، يتناول حياة وموت النجمة مارلين مونرو، مسلطًا الضوء على الهشاشة التي عانتها خلف بريق الشهرة.
يستخدم كاردينال أسلوب الصلاة للتعبير عن تعاطفه مع مونرو، منتقدًا في الوقت ذاته المجتمع الاستهلاكي الذي يستغل الأفراد ويهمل إنسانيتهم.
أعماله الأدبية الأخرى
إلى جانب “إنجيل سولنتينامي”، كتب كاردينال العديد من الأعمال التي تعكس التزامه الاجتماعي والديني، من بينها:
- “أبجدية الحب”: مجموعة شعرية تأملية.
- “الكون: قصيدة”: عمل شعري فلسفي يتأمل في الوجود والخلق.
- “مزامير”: إعادة كتابة للشعر الديني بلغة معاصرة.
- “قصائد حب”: مختارات شعرية روحية وعاطفية.
- “إنشاد الأرض”: قصائد بيئية تمجد الطبيعة.
- “نقطة الصفر ومقالات أخرى”: مقالات فكرية في الدين والسياسة.
- “الإنجيل في ثورة”: تأملات لاهوتية من منظور ثوري.
تشكل هذه الأعمال، إلى جانب نشاطه الديني والسياسي، صورة لكاهن اختار أن يعيش الإيمان كمقاومة وشهادة في وجه الظلم والفقر.
