أخباركم – أخبارنا
كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1990 على بدء ثورة الكرامة
لافت مشهد مجلس الوزراء، أين منه مشهد “الإتفاق الرباعي” في العام 2005. قوى نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي ومعها وزراء رئيس الجمهورية توحدوا في التصويت على تعيين المصرفي كريم سعيد حاكماً جديداً. والحصيلة فوز مظفر لتحالف لوبي المصارف وهزيمة مدوية لـ”فريق الإصلاح” الحكومي، مع كل الأبعاد السلبية الناجمة عن تحول رئيس الحكومة إلى موقع الفريق المعارض، وأين: داخل حكومته!
الأطراف التي صرعت اللبنانيين بترهات عن خلافاتها العميقة، ما بين الممانعة الممثلة بـ”الثنائي المذهبي” حزب الله وحركة أمل، ومن يطلقون على أنفسهم تسمية القوى السيادية خصوصاً القوات اللبنانية، لم يتوقف أي منها، كما الآخرين: الحزب الإشتراكي، حزب الكتائب ووزراء الرئيس) عند حجج قدمها رئيس الحكومة في رفضه تعيين سعيد، ولم يتوقفوا عند المناخ العام الذي وضعت أمامه وبالقلم العريض الخطوط الرئيسية لرؤية “عراب خطة هارفارد” في التعاطي مع الإنهيار المالي الكبير والمبرمج. ومعروف أن تلك الخطة تريد تسجيل الودائع المنهوبة كدين على الدولة ما يعني تبرئة الكارتل المصرفي المسؤول قانوناً عن رد الودائع، والأخطر أيضاً ما يتردد عن مخطط لتسييل الذهب ومخاطر تبديد كل المقدرات المتبقية!
إثر الجلسة قال نواف سلام “معروف أن السيد سعيد لم يكن مرشحي لعدد من الأسباب في ظل حرصي على حماية حقوق المودعين والحفاظ على أصول الدولة، وقد تحفظت مع عدد من الوزراء على تعيينه”! كلام كبير، فإن كان الوزراء ال17 غير آبهين لمصير أصول الدولة وحماية حقوق المودعين، فإن هناك خطورة على كل المسار السياسي وعناوين الإصلاح. هنا يتحمل سلام مسؤولية إستثنائية بتأليفه حكومة 10 من أعضائها لهم إرتباطات وثيقة بالمصارف. واغلب الظن أنه لا ينبغي التعويل كثيراً على قول رئيس الحكومة أنه على الحاكم الجديد إلتزام البرنامج الإصلاحي للحكومة فقانون “النقد والتسليف” الذي يحمي الحاكم لست سنوات يمنحه صلاحيات تمكنه متى شاء أن يدير الظهر لكل السياسة المالية للحكومة ولبيانها الوزاري!
بهذا السياق يسترعي الإنتباه أن جريدة “الأخبار” نقلت حديثاً خطيراً عن أحد الوزراء الذين صوتوا لسعيد فقال: “الحاكم الجديد قدم أمامنا محاضرة لمدة 25 دقيقة، حملت إستدارة كاملة لكل مواقفه السابقة في ما يتعلق بالحلول المالية والإقتصادية، لكن أحداً من الذين صوتوا معه أو ضده لم يكن مقتنعاً بما قاله، لكن ذلك لم يغيّر في حسابات التصويت شيئاً”. وأضاف هذا الوزير إن “ما حصل يعني أن الحكومة إنتهت وأصبحت بمثابة بطة عرجاء، ويؤشر إلى مسارٍ سيء في الأيام المقبلة”!
وفيما شددت الأخبار نقلاً عن وزراء صوتوا لسعيد قولهم أن “اللجوء إلى التصويت هو محطة سياسية وليس تقنية، وهو نموذج عما ينتظر الحكم الجديد في محطات لاحقة”..رأت جريدة “النهار” أن هذا التصويت في نظر الخبراء الدستوريين، تصويت له حدين: “إذ أنها آلية دستورية ولكنها جاءت بمثابة صدمة مبكرة يُخشى أن تترك غمامات في فضاء التعاون والإنسجام بين رئاستي الجمهورية والحكومة”!
هنا من الضروري بمكان التوقف عند بضعة عناوين:
1– بالشكل وبالمضمون وتبعاً لتجارب عالمية مثبتة قانوناً، لا يحق للوزراء المرتبطين بالقطاع المصرفي التصويت في هذه القضية نتيجة تضارب المصالح القائم والبارز، وغير معروف لماذا تغاضى رئيس الحكومة نواف سلام عن واقعة بهذا الحجم وبهذه الخطورة. هناك 10 وزراء على إرتباط بالمصارف، والطلب منهم الإستقالة لا يعني أبداً أنهم تخلوا عن مصالحهم والأرباح الفلكية التي جنتها المصارف من جيوب الناس، فهناك عقلهم وقلبهم!
2— المتبقي من حسابات للمودعين تزيد عن نحو مليون و100 الف حساب، يعني ربع الشعب اللبناني..فماذا يتوقعون؟ يعني الذين أرغموا على هيركات أكثر من 70 % قسراً، وبينهم المواطن العادي كما الحزبي المؤيد لهذه الجهة الطائفية أو تلك، ماذا تنتظر هذه الشريحة التي تضم مئات ألوف الأسر؟ كل الناس شاهدت وتبعت وتعلم إرتباطات الوزراء ال17، والأسابيع القليلة هي الفيصل بشأن إستعادة الحقوق وبشأن المساءلة والمحاسبة أو تعميق مآسي الناس ووجعهم. القصة هلقد، إما إستعادة الحقوق وإما ليسترجع الناس أصواتهم ويتذكروا الأهمية الإستثنائية التي نجمت عن التصويت العقابي ضد الطبقة السياسية في الإنتخابات العامة في أيار 2022، والإنتخابات البلدية كما النيابية لناظره قريب!
3– تستحق منصة “درج” ومنصة “ميغافون” ومنظمة “كلنا إرادة” كما مجموعة من الكتاب المستقلين الملتصقين بهموم البلد ووجع الناس كل الشكر. لقد حرموا المنظومة السياسة إمكانية تمرير التعيين بالسر في هذا المنصب المحوري الكبير الأهمية. لم يهابوا حملات التضليل المدفوعة من الكارتل المصرفي لتمرير مرشحها ونجحوا بتحويل قضية التعيين إلى قضية رأي عام. وأبدا تلك التخرصات التي حاول أصحابها القول أن إستهدافاً تعرض له الشخص، إنه دجل وتضليل، ما تم كشفه وتسليط الضوء عليه هو برنامج الشخص المعلن كما برامج وممارسات الكارتل المصرفي الداعم لوصوله!
وبعد البعد هناك أسباب وأسباب للطعن في هذا التعيين، تبدأ من قانون النقد ولاسيما المادة13، كما في الأسباب الموجبة للقانون التي تمنع نهائياً تسلم مصرفيين موقع القرار في المركزي، إلى تصويت مرتبطين بالقطاع المصرفي في مجلس الوزراء.. إنه أمر يستجق العناء!