أخباركم – أخبارنا/ حسين قاسم
عادةً ما تحدد موازين القوى طبيعة التغيير السياسي وتُنتج قواه، فما هو ميزان القوى الذي أتى بالرئيسين جوزيف عون ونواف سلام وحكومتهما إلى الحكم في لبنان؟ لنكن صريحين: التغيير الذي طرأ على المشهد السياسي اللبناني كان نتيجة عضلات نيتنياهو، وأخطاء حزب الله في حرب المشاغلة، والتدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. رئيس وزراء العدو لا يعمل لصالح لبنان؛ فهو عدونا ويعمل لمصلحته الخاصة. أما حزب الله، سواء انتصر أو انهزم، فلا يهمه لبنان. إذا انتصر، يوظف نصره لأجنداته الخارجية التي لا تخفى على أحد ولا ينكرها، وإذا انهزم لا يعترف بهزيمته، وبدلًا من أن يعود إلى لبنانيته، يتوعد بإعادة بناء قواه للاستمرار في الوظيفة ذاتها، كما حصل عقب حرب المشاغلة الأخيرة، مكتفيًا بتكتيكٍ لكسب الوقت. وأمريكا أيضًا تعمل لمصلحتها مع انحيازها الفاضح لصالح الكيان الإسرائيلي.
لكن المشهد الذي نتحدث عنه ظهر خاليًا من تأثير القوى التي ترغب في التغيير وترفض سياسة زج لبنان في حروب لا علاقة له بها. أما قوى الطبقة الحاكمة التي غطّت مغامرات حزب الله، فما زالت تتمتع بالقدرة على التعطيل. وكل ما قدمته كان نتيجة العصا الدولية الغليظة، لكن هذه العصا تختلف عن عصا الهيمنة السورية السابقة؛ فهي لا تستطيع التدخل بالتفاصيل، مما دفع القوى اللبنانية إلى التملص من اتخاذ إجراءات إنقاذية تتناسب مع حجم النكبة التي أصابت لبنان مقتلاً. تلك الفنون السياسية تشتهر بها القوى اللبنانية عبر العصور.
بناءً عليه، لا يمكن الحكم على مسيرة العهد الجديد في غياب كتلة شعبية وازنة تعبر عن مستوى التغيير المطلوب وتفرض حضورها في الشارع وفي البرلمان. لذلك فإن خطوات الحكم اللبناني الحالية إيجابية رغم ثغراتها، ولا يمكن مقارنتها بخطوات العهود السابقة. بل يجب البناء عليها وممارسة الضغوط الإيجابية لتحقيق الأفضل. خصوصًا دعم الرئيس نواف سلام ليس فقط لأنه رجل دولة وقانون، بل لأنه ينتمي إلى بيئة ثورة تشرين اللبنانية، كما ينبغي العمل على تكوين كتلة تاريخية أكثر جذرية وقادرة على مواجهة المنظومة الحاكمة وعلى رأسها حزب الله لوقف حروبه العبثية ومنعه من تحويل لبنان إلى ساحة للآخرين. يجب رفع الصوت عاليًا للقول إن لبنان أصبح وطنًا ولم يعد ملعبًا لأحد.