كتب باسل عيد: كثر الحديث مؤخراً، خصوصاً في ظل الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده لبنان حالياً، عن “فدرلة” لبنان، بحيث تحكم كل مجموعة سياسية او طائفية نطاقاً جغرافياً مستقلاً داخل البلاد، يكون منفصلاً عن المناطق الأخرى ذات الولاءات والسياسات المختلفة.
برز مقترح الفيدرالية، بعد ثورة تشرين 2019، كمدخل لحل تلك المشاكل، وليكون بديلاً عن النظام الطائفي في البلاد، وهي فكرة ليست بجديدة، فهي حظيت في الماضي بتأييد السياسيين المسيحيين والأحزاب المسيحية بشكل رئيسي قبل الحرب الأهلية اللبنانية وخلالها.
واليوم تطرح الفيدرالية مجدداً، في حين ينقسم اللبنانيون حيالها ما بين مؤيد ومعارض. أما المؤيدون فهم أكثرية المسيحيين مع جزء وازن من المسلمين، ويعارضها بشكل بارز “الثنائي الشيعي”. أما السنة والدروز والمعارضون للثنائي من الشيعة، فيتجهون بالمجمل الى تأييدها.
فما هي الفيدرالية، وما هو تعريفها وهل هي تقسيم، وكيف تطبق على بلد صغير كلبنان؟
في هذا الإطار، أوضحت المنسقة العامة للمؤتمر الدائم للفيدرالية المهندسة رشا عيتاني في حديث خاص الى موقع “أخباركم أخبارنا”، أن الفيدرالية هي كلمة “من اصل الكلمة اللاتينية فويدوس وتعني الثقة. والترجمة العربية لها هي اتحاد الفيدرالية/الاتحادية توحد المقسم وتتفادى التقسيم”. واضافت: عند الحديث عن التقسيم نعطي امثلة عن دول قسمت مثل يوغوسلافيا، الهند، باكستان، السودان وجنوب السودان وغيرها.
واشارت عيتاني الى ان النظام الاتحادي “لا يعتمد على كبر او صغر الدولة بل هو عملية ادارية. توجد دول اتحادية اصغر من لبنان مثل ميكرونازيا (٧٠٢ م٢)، جزر القمر (٢،٢٣٥ م٢)، وسانت كيتس ونيفيس (٢٦١م٢)”، مؤكدة أن “تطبيق النظام الاتحادي الفيدرالي في لبنان سيكون على اساس الحفاظ على التعددية الموجودة فيه”.
وعن فائدة تطبيق الفيدرالية على لبنان واللبنانيين لا سيما في ظل سطوة سلاح “حزب الله”، قالت: النظام الاتحادي الفيدرالي مصحوباً مع الحياد، سينقل الصراع بين الطوائف الى داخل الطوائف ليصبح صراعاً تنموياً وتطويرياً. كما سيسهم في الانماء وينقلنا من حالة اللا- استقرار الى الاستقرار، وبالتالي سيتحول لبنان ليصبح في مصاف الدول النامية اقتصادياً، مما سيسهم بشكل فعال في عودة أبنائه المهاجرين في مختلف اصقاع الأرض من اجل المشاركة في إعادة بناء وطنهم.
ورأت عيتاني ان سلاح “حزب الله” هو “نتيجة للنظام المركزي الحالي وليس السبب، لأن كل طائفة لديها خوف من الطائفة الاخرى، لذلك تعمل هذه الطوائف على تعزيز قوتها والسيطرة على القرار المركزي لتؤمن ديمومتها”.
ورداً على سؤال حول مدى اقتناع السنة في لبنان وقياداتهم بضرورة تطبيق الفيدرالية أجابت: “اهل السنة اليوم باتوا مقتنعين بالنظام الفيدرالي اكثر من اي وقت مضى، لأسباب عدة منها تشرذم القرار السني بسبب عدم وجود قائد بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي في لبنان، وتحكم الشيعية السياسية بلبنان، الى جانب الرغبة في ابقاء لبنان متحداً وعدم الاندفاع للتقسيم”.
واضافت: كذلك تؤيد الطائفة السنية النظام الاتحادي للحفاظ على كيانها. كما ثبت لدى العديد من المفكرين والناشطين “السنّة”، ان النظام المركزي لم يحمل إليهم الا المزيد من المآسي حتى ابان ما سمي “بالحريرية السياسية”، حيث كان للسنة دور اكبر بكثير من اليوم في القرار المركزي للدولة.
وعن توزع الطائفة السنية في انحاء لبنان وليس في منطقة واحدة ذات مساحة جغرافية كبيرة، وعما اذا كانت الفيدرالية لصالحهم في هذه الحالة؟ أوضحت عيتاني أن النظام الفيدرالي الاتحادي “هدفه الاساسي الحفاظ على التعددية في بلد واحد. بالنسبة للطائفة السنية صحيح انها موزعة على مختلف المناطق ولكن لها ثقل في طرابلس ويمكنها الاستفادة من الموارد الموجودة في المنطقة مثل اليد العاملة الماهرة، المرفأ، والمطار. اما توزيع الصلاحيات فهو على ثلاثة مستويات (محافظة، محافظ،د وقضاء) مما يمنع اي حركة نقل ديموغرافي”.
ورداً على سؤال حول امكانية ان تلغي الفيدرالية اتفاق الطائف والبحث عن دستور جديد للبنان، أشارت الى ان الهدف هو “استقرار لبنان وليس الغاء اتفاق ساهم في هدنة الحرب اللبنانية”.
ورأت انه من الممكن “تطوير اتفاق الطائف، الذي هو مسودة تم من خلالها تبني عناوينها ليتم تطويرها، علماً ان الاتفاق الذي حافظ على التعددية بتأمين المناصفة في المجلس النيابي والحكومة، يتضمن النظام الاتحادي الذي يحافظ اكثر على هذه التعددية”.
وسئلت عيتاني: هل وجدت الدساتير لخدمة مكوناتها او المكونات وجدت لخدمة الدساتير؟ لتجيب: طبعاً نحن بحاجة الى دساتير تشبه طبيعة مكوناتنا لتؤمن صيغة تشارك حقيقية، بعيداً عن شعارات التعايش الرنانة التي جربناها وخلفت اكثر من مئة عام من الفشل المتكرر.