كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1993 على بدء ثورة الكرامة
زيارة سريعة حملت مؤشرات إستثنائية عكستها حفاوة الإستقبال الذي حظي به سلام من الجانب السعودي، بدءاً من إرسال طائرة ملكية نقلت رئيس الحكومة وهي خطوة تحمل الكثير من المعاني، تتم لأول مرة لرئيس حكومة لبنانية منذ أكثر من عقدين، ثم لكونه المسؤول العربي الوحيد الذي شارك بصلاة العيد إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان الذي إلتقى به أكثر من مرة: في صلاة العيد، وعلى مائدة الفطور التي أقامها بن سلمان، وفي خلوة جمعتهما قبل أن تتحول إلى إجتماع موسع.
تصدر الإهتمام دعم التحول السياسي في لبنان، بسط السيادة وإجراء الإصلاحات المالية والمؤسساتية، وأبرزت الزيارة اللافتة في التوقيت عودة سعودية إلى لبنان بكل قضاياه، ومعروف أنه سبقها مبادرة الرياض لإستضافة إجتماع لبناني سوري رعت خلاله المملكة توصل الجانبين لإتفاقات واسعة بشأن ترسيم الحدود، وتشكيل لجان أمنية إختصاصية لمعالجة كل القضايا الحدودية وتم التوافق على متابعة لاحقة للخطوات التي ستتم في إجتماعات تعقد في الرياض بمشاركة سعودية.
وجهت الزيارة رسالة دعم قوية لرئيس الحكومة من الدولة التي تلعب دوراً متقدماً على صعيد المنطقة، وكذلك المكانة التي باتت تحتلها لمعالجة أهم القضايا الدولية. والدعم الذي أظهرته الزيارة لا يمكن فصله عن تفهم وتأييد الطروحات السياسية والإصلاحية التي يطرحها سلام وتضمنها البيان الوزاري للحكومة.
هنا يلفت الإهتمام لجهة التوقيت حدوثها في ذروة حدثين: الأول إثر الجلسة الشهيرة لمجلس الوزراء الذي تم فيها تعيين كريم سعيد حاكما للمصرف المركزي، ولم يكن مرشح رئيس الحكومة، الذي قال أنه عارضه من موقع الدفاع عن حقوق المودعين ومن موقع الدفاع عن أصول الدولة. وهذا موقف غير مسبوق متمم لإصراره على التصويت بتطبيق الدستور ولتكشف الأمور ويتحمل كل الآخرين مسؤولياتهم كاملة. وأغلب الظن أن الذين روجوا ل”إنتصار” تحقق في مجلس الوزراء تعاموا عما كشفه التصويت من تداخل المصالح بين الدويلة والمافيا التي تضم كل ألوان قوى نظام المحاصصة الطائفي. وسيكون، وفق ما ذهب إليه الصديق بشارة شربل، أنه ينبغي “أن يضع العهد المنتصر ب”أكثرية الحاكمية” ماء كثيراً في نبيذه لئلا تضيع البوصلة ويشرب العهد والحكومة وسائر اللبنانيين كأس الخيبة وتأخير إستحقاق الإصلاح والسلاح”!
أما الحدث الثاني فقد تمت الزيارة في ذروة حملة تستهدف مواقف سلام أطلقها محمد رعد ونعيم قاسم وسائر أبواق حزب الله، كان آخرهم اليوم المفتي قبلان المكلف من ميليشيا حزب الله إطلاق مواقف غير مسؤولة كتهديده هذا الصباح من أنه لعب بالنار طرح موضوع سلاح الحزب(.. )ومعروف أن هذه الجهات إستفظعت تمسك رئيس الحكومة بإنتهاء زمن الثلاثية الخشبية، وإنتهاء زمن السلاح اللاشرعي الذي فقد منذ أمد بعيد صفته كسلاح مقاوم، وأنه لا بديل عن إستكمال بسط السيادة على كامل التراب الوطني بالقوى الشرعية للدولة دون أي شريك آخر، كما إصراره على المضي بالإجراءات والتحقيقات التي من شأنها كشف كل قضية الصواريخ، التي تكررت، ومنحت العدو المزيد من الذرائع لإنفلات إجرام العدو وإخضاعه اللبنانيين للعقاب الجماعي. ويعي سلام جيداً أن تأخير سحب السلاح سيضع لبنان تحت وطأة ضغوط كبيرة، وسيؤخر إطلاق عملية الإصلاح، وليس مفيداً، ولا بموقعه الذهاب لإحياء أخبار الإستراتيجية الدفاعية!
بالسياق، الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس قادمة إلى بيروت ومواقف الضغوط الأميركية سبقتها، وهنا يرتدي كامل الأهمية ما يطرحه سلام ومعه دعم الموقف اللبناني الذي عبرت عنه الزيارة للسعودية وهي إستثنائية في توقيتها. إن بقاء السلاح اللاشرعي الذي لم يوفر الحماية لحامليه ولا الدفاع عن لبنان ولا إسناد غزة، هو اليوم الذريعة لوضع لبنان تحت ضغوط مزدوجة: ضغوط عسكرية إسرائيلية تدمر وتقتل وتمنع أي عودة لعشرات ألوف الأسر المهجرة..
وضغوط سياسية أميركية تدفع إلى التطبيع. دعونا نتوقف عند ظاهرة أن التنازلات التي تقدمها حماس لم تعد كافية للقبول بوقف النار ولا إدخال مساعدات إغاثية للقطاع. هذا ينبغي أن يكون درساً يستفاد منه لبنانياً ويحفز على قرارات واضحة تبرمج سحب السلاح، ما قد يخفف من وطأة الضغوط، وقد يفتح الباب إلى العودة لإتفاقية الهدنة. وليكن واضحاً أن أي منحى بديل يؤجل معالجة السلاح اللاشرعي وينحو إلى تركه للبحث في مصيره في مؤتمر وطني، فإنه سيفضي إلى أمرين: الأول إملاء ما تطرحه أورتاغوس من بدء مفاوضات على مستوى ديبلوماسي سقفها التطبيع، والثاني سحب السلاح اللاشرعي كتحصيل حاصل!
