أخباركم – أخبارنا “قراءة في حدث”
حاورته: ناديا شريم
كان من المفترض أن يكون الحدث زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى فرنسا ولقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة ثنائية في العاصمة الفرنسية باريس، حيث تلاها لقاء رباعي شارك فيه المسؤولان القبرصي واليوناني، لكن انفجار الوضع العسكري في الجنوب والضاحية، والذي ترافق مع إطلاق صواريخ من جنوب لبنان والرد الإسرائيلي الذي كان الأعنف منذ وقف إطلاق النار، فرض نفسه على المشهد اللبناني.
يبقى السؤال: ماذا بعد؟ وماذا لو تطورت الأمور أو أُطلق المزيد من الصواريخ، خصوصاً وأنها المرة الثانية التي تُطلق فيها صواريخ خلال أقل من عشرة أيام؟
أمام هذه التطورات، يقول أمين عام حزب حراس الأرز المحامي مارون العميل، إن الانقسامات التي طالت هيكلية حزب الله، وخروج الجناح العسكري من تحت سيطرة قيادته السياسية، أدى وسيؤدي في الفترة القريبة إلى خرق متكرر لاتفاق وقف إطلاق النار من جانب الحزب، لذلك نرى أن هذه الأعمال تخرج من مناطق سيطرته التي يصعب على أي فصيل آخر استعمالها من دون إذن منه، في المقابل تستنكر قيادته وتنفي أن يكون لها علاقة بهذه الخروقات.
وردود إسرائيل ستكون قوية، طبعاً من المتوقع أن تكون ردود إسرائيل مباشرة وقوية، إذ أن هذه الخروقات من الأراضي اللبنانية تعطيها الذريعة التي تريدها، والغطاء اللازم لتوسيع أعمالها العسكرية على الأراضي اللبنانية.
هذا الغباء المقصود من جانب حزب الله سيؤدي قريباً، كما هو واضح، إلى فسخ اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق ماكينة الدمار من جديد، مما سيضع لبنان والإقليم في وضع لا تُحمد عقباه.
ويضيف: لذلك، ووفق هذا الاتفاق، ووفق القرارات الدولية خاصة منها 1680 و1701 و1559 يجب على السلطات اللبنانية الإطباق، وفي أسرع وقت، على ما تبقى من حزب الله وكل الأحزاب الأخرى المسلحة، بالإضافة إلى المخيمات الفلسطينية والسورية وإنهاء الحالة العسكرية فيها، ومعاقبة كل القيادات المتبقية بالسجن، وحل حزب الله والحزب القومي السوري وحزب البعث والحركات المتطرفة المنخرطة في الحرب الأخيرة وحتى سابقاتها، والتي لم تجلب للبنان واللبنانيين سوى الدمار والتهجير والقتل، ثم مصادرة الأسلحة التي تملكها وحصرها بيد الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وضرب بيد من حديد كل من يخالف هذا المبدأ.
البند السابع
لكن إذا لم تستطع أو لم تُرد هذه السلطة القيام بذلك، عليها الطلب فوراً إلى مجلس الأمن الدولي بوضع القرارات المتعلقة بلبنان قيد التنفيذ تحت البند السابع.
وعمّا إذا كان هناك أطراف تريد توريط الجيش اللبناني، يقول العميل: كل المحاولات الهادفة لتوريط الجيش في حرب مباشرة باءت وستبوء بالفشل والحمدلله. من الواضح أن اللبنانيين لا يطمحون إلى الحروب ويجنحون دائماً نحو السلام، وذلك طبيعي بعد مرورهم بتجارب أليمة من جراء الحروب. لكن حالة حزب الله هي استثناء عن اللبنانيين ولا تشبههم، كونها مستوردة الأهداف والعقيدة، وستنبذهم قريباً حتى بيئتهم بعد انكشافهم أمامها.
حلحلة المشاكل بالتفاوض
ويشير الأمين العام إلى أنه من الواضح أيضاً، أن الخلفية الأمنية لفخامة الرئيس، وسيطرته على غالب التعيينات الأمنية، وانفتاحه تجاه كل أفرقاء الداخل والخارج، ساعد في إيجاد أجواء مريحة تدفع نحو فتح باب حلحلة المشاكل بالتفاوض قبل الوقوع بالمحظور، على أمل أن تنجح الدولة بمساعيه ومساعي الخيرين بنزع كل السلاح غير الشرعي وحصره بيد الجيش والقوى الأمنية بدون ضربة كف، وإلا ستكون مضطرة عاجلاً وليس آجلاً لاستعمال القوة، وذلك من حقها.
حصر القرار بالسلطة
أما عن الحل، فيرى الأمين العام لحراس الأرز، أن ضبط الوضع يكون فقط بحصر القوة والقرار بالسلطة الشرعية المنبثقة من مؤسسات الدولة اللبنانية، وإلا سنكون مضطرين للتعامل مع قوى دولية مولجة بهذه المهمة، لأن قرار ضبط المنطقة قد اتُّخذ في عواصم القرار وسينفذ (بالمنيح أو بالعاطل).
والحل أمام اللبنانيين واضح للعيان وسهل وسريع وهو شقّان:
١- حياد كامل مضمون أممياً عن كل مشاكل العالم وخاصة المنطقة المحيطة بنا، وذلك وفق النموذج السويسري.
٢- سلام كامل مع كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل، ولن تقوم لنا قيامة بأقل من ذلك.
أمام هذه التطورات الجديدة، وما بين رفض الحرب الداخلية وبين بروز منصات سياسية جديدة ذات طابع مسيحي تطالب بالفيدرالية وحتى التقسيم، فما رأيك بذلك؟
نؤكد أن المسيحيين جميعاً لا يرغبون بالحرب لا داخلية ولا خارجية، ولكن هذا لا يعني أنهم سيقفون مكتوفي الأيدي بوجه أي اعتداء على حريتهم ووجودهم وحقهم في العيش الكريم مهما طال بالهم. أما أن بعض المجموعات التي نشأت تطالب بالتقسيم أو الفيدرالية فموضوع آخر غير مرتبط بها، لأن الطرح الفيدرالي قد رافق اللبنانيين منذ زمن بعيد. فقد كان مطلباً شيعياً عندما شعروا بالغبن، وسنياً عندما فقدوا السيطرة على السلطة، والآن بات مطلباً مسيحياً، لكنه مختلف هذه المرة لأنه تم ربطه بالوجود المسيحي من جهة وتم استقطاب مجموعات عابرة للطوائف من جهة أخرى.
وتابع الأستاذ العميل: هناك نوعان من هذه المجموعات، الأول يطالب بالفيدرالية منعاً للتقسيم ويطرح نظاماً اتحادياً تكاملياً وتنافسياً بين الفيدراليات، والثاني يطالب بالفيدرالية تمهيداً للانفصال التام ويطرح نظاماً تقسيمياً انفصالياً إلى حد تكوين دول كاملة المعالم معترف بها أممياً، ولكلٍ أسبابه ومبرراته ودوافعه وأهدافه.
لكن السؤال الأهم هو: ما الذي دفع هذه المجموعات للوصول إلى هذه الطروحات؟
أليس التطرف المقابل منذ الاستقلال حتى الآن، وبعدها دخول لبنان في معمعة القضية الفلسطينية ومتفرعاتها ثم مع الناصريين والعروبيين الزائفين والإسلام السياسي المتطرف والبعث والقوميات العربية… كلها كانت مشاريع فضّلها البعض على دولتهم ووطنهم وشركائهم في الوطن لمجرد أنهم مسيحيون لا غير؟
هذا الشعور دفع الأحزاب في العام 1975 لإنشاء الجبهة اللبنانية التي نتج منها ما أُطلق عليه “القوات اللبنانية” التي ضمت كل الأحزاب المعارضة لفكرة “لبنان وطن بديل عن فلسطين”، على سبيل المثال لا الحصر الكتائب، والأحرار، وحراس الأرز، والتنظيم، وكل المجموعات الأخرى من الشمال إلى الجنوب، حيث سطّروا بطولات تحدت كل قرارات العالم في حينه، واستطاعوا تغيير الخطة التي كانت موضوعة، في حين أن الغالبية غير المسيحية حملت السلاح مع من كانوا يسرقون الوطن والدولة بوجه من دافع عنهما، والدافع طائفي محض.
والآن بعد انتهاء الحرب، وبدل مكافأة الفئة الحامية والمدافعة عن لبنان واللبنانيين، تمت معاقبتهم واعتبارهم خاسرين، واقتيدوا إلى الطائف من أجل سلخهم وظائفهم وامتيازاتهم من الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وأكثر من ذلك استعانوا بالسوري للسيطرة على حقوقهم، ومن بعدها بالإيراني للسيطرة على كل مفاصل الدولة والقرار، وما زلنا حتى تاريخنا هذا، نرى هناك مشاريع الوحدة مع إيران بالنسبة إلى حزب الله ومشاريع الوحدة مع سوريا الشرع بالنسبة للبعض لدى الطائفة السنية، أولى من مشروع قيام الدولة اللبنانية القوية الراعية لكل أبنائها. وعلى هذا الأساس، لا عتب على هذه المجموعات حيال الطروحات التي يرونها بدائل حامية لوجودهم طالما أن دولتهم طاردة غير حاضنة، خاصة أن طروحاتهم فكرية سياسية سلمية غير فرضية بعكس كل ما عوملوا به.
أما عن ما نسمع عن خرائط جديدة في شرق أوسط جديد، أشار الأستاذ العميل إلى أن من مبادئ شرعة الإنسان التي تتبناها الأمم المتحدة هو حق تقرير المصير للشعوب، وفي المنطقة التي تقع جغرافيتها في نطاق ما يُسمى الشرق الأوسط الجديد، شعوب متعددة قديمة ولها تاريخ متجذر في الأرض التي يقطنونها منذ ما قبل الديانات، وهذه الشعوب ذاقت الأمرّين من اضطهاد وتهجير بسبب مشاريع سياسية عدة اجتاحت المنطقة من أجل تأسيس إمبراطوريات توتاليتارية بعناوين قومية أو دينية أو عرقية غالباً لا تعبّر عن حقيقة هذه الشعوب ولا عن رغباتهم.
لذلك ترى جنوح غالبيتهم لتأييد المشروع القادم عليهم من الغرب، وقد يكون لإسرائيل رغبة أو مصلحة في ذلك، ولكن الواضح أن شعوب المنطقة يبدون وكأنهم بانتظاره من زمن، على أمل تحرر حرياتهم المجتمعية الحافظة لعاداتهم وتقاليدهم التي تميزهم عن الغير.
لذلك نعم، قد نشهد في المستقبل القريب تغييراً لخارطة الدول في المنطقة، ولكن ليس على أساس طائفي، بل عرقي، وسيتقبله شعوب المنطقة بسهولة أكثر من قبولهم البقاء تحت وطأة من يحكمون ويتحكمون بأرضهم وشعوبهم ضمن الحدود المرسومة حالياً. وليس بالضرورة أن تكون متناحرة، بل على الأرجح متنافسة.