أخباركم – أخبارنا / إعداد: مسعود محمد
في خطوة تهدد بإعادة العالم إلى أجواء الكساد الكبير، أعلن الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة على أكثر من 185 دولة، تشمل شركاء تجاريين رئيسيين مثل الصين، الاتحاد الأوروبي، اليابان، الهند وحتى دول غير مأهولة.
القرار الذي وصفه ترامب بأنه “يوم التحرير في أمريكا”، يشكّل أكبر تحوّل في السياسات التجارية الأميركية منذ أكثر من قرن، ويعيد طرح سؤال جوهري:
هل نقترب من ركود عالمي جديد؟
خطة ترامب: 700 مليار دولار من الجمارك؟
بحسب مستشاره التجاري بيتر نافارو، تهدف الخطة إلى جمع 700 مليار دولار سنويًا من الرسوم الجمركية وحدها، منها:
- 100 مليار دولار على واردات السيارات،
- 600 مليار دولار على سلع مستوردة أخرى،
- ما يعادل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أي 9 أضعاف الإيرادات الحالية من الجمارك.
السياق التاريخي: هل الأمر ممكن؟
الخبير الاقتصادي الأميركي جاستن فوكس، وفي مقال نشرته بلومبيرغ، أشار إلى أن:
- الولايات المتحدة لم تحقق نسبة 2% من الناتج القومي من الرسوم الجمركية منذ القرن التاسع عشر.
- وحتى حين كانت الجمارك المصدر الوحيد لتمويل الحكومة الفيدرالية، لم تصل يومًا إلى هذا الحجم.
- اليوم، في اقتصاد يقوم أساسًا على الخدمات والتكنولوجيا لا السلع المادية فقط، هذا النموذج غير قابل للتطبيق فعليًا.
التحذيرات الاقتصادية: الطريق إلى الكساد؟
الرسوم الجمركية المرتفعة قد تبدو جذابة سياسيًا، لكن نتائجها:
- ترفع أسعار السلع المستوردة للمستهلك الأميركي،
- تُطلق موجات انتقامية من الدول المتضررة،
- تعطّل سلاسل الإمداد العالمية،
- تزيد معدلات التضخم وتُعمّق الركود.
صندوق النقد الدولي، فيتش، والعديد من المؤسسات الدولية حذّرت من سيناريو “الكساد التضخمي” إذا تم تنفيذ الخطة بالكامل.
تفاصيل الرسوم التي فُرضت:
الدولة | نسبة الرسوم |
---|---|
الصين | 34% |
فيتنام | 46% |
الاتحاد الأوروبي | 20% |
اليابان | 24% |
تايوان | 32% |
الهند | 31% |
بريطانيا | 10% |
بقية دول العالم | 10% تعريفة موحدة |
جميع السيارات المستوردة | 25% |
كما شملت الرسوم حتى دولًا صغيرة وجزرًا غير مأهولة مثل هيرد وماكدونالد.
معارضة داخلية مبكرة
في خطوة لافتة، صوت مجلس الشيوخ الأميركي بعد ساعات فقط من إعلان ترامب، لصالح إلغاء رسومه الجمركية ضد كندا، في مؤشر على وجود انقسام داخلي حاد حول هذه السياسات.
أوروبا: الهدف غير المباشر… والمتضرر الكبير
1. القطاعات المستهدفة:
- السيارات الألمانية (فولكسفاغن، مرسيدس، BMW)
- السلع الفاخرة الفرنسية والإيطالية
- المنتجات الزراعية (أجبان، زيوت، نبيذ…)
2. التأثير الاقتصادي المباشر:
- انخفاض الصادرات الأوروبية إلى أميركا (أكثر من 500 مليار دولار سنويًا)
- ضرب الوظائف في الصناعات التصديرية
- تفاقم التوترات الاقتصادية الداخلية بفعل الركود والبطالة
3. خطر الحرب التجارية عبر الأطلسي:
- الاتحاد الأوروبي يُلمّح برد انتقامي: رسوم مضادة، شكاوى في منظمة التجارة، تقارب تجاري مع الصين وروسيا.
البعد الجيوسياسي: أميركا في وجه العالم
ترامب لا يرى أوروبا شريكًا، بل منافسًا اقتصاديًا.
سابقًا:
- هاجم الاتحاد الأوروبي.
- قلّل من شأن الناتو.
- دعم الحركات القومية الأوروبية.
وهذا التوجّه يُقلق الأوروبيين لأنه يُضعف الجبهة الغربية في مواجهة التحديات الجيوسياسية الكبرى (الصين، روسيا، الطاقة…).
الشرق الأوسط: المتأثر الصامت… أم المستفيد الذكي؟
رغم أن الدول العربية ليست ضمن المستهدفين الرئيسيين، إلا أن تداعيات القرار ستكون واضحة:
- ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام
- تراجع التحويلات والاستثمارات
- تأثر أسواق النفط
لكن الرؤية الاقتصادية في الخليج، وخاصة رؤية السعودية 2030، تفتح فرصة حقيقية للتحوّل من التأثر السلبي إلى الاستفادة الذكية عبر:
- تنويع الاقتصاد
- جذب الاستثمارات العالمية
- مشاريع تكامل مثل نيوم والخط والربط الاقتصادي الخليجي
الخليج قد يتحوّل إلى “أوروبا جديدة” إن أحسن إدارة المرحلة بمرونة وواقعية.
سياسات ترامب الجمركية ليست مجرد أدوات اقتصادية، بل محاولة لإعادة رسم خارطة القوة العالمية.
لكن التاريخ يُظهر أن الحروب التجارية لا يخرج منها أحد منتصرًا.
وبينما يُعلن ترامب “يوم تحرير” أميركا، يتساءل العالم:
هل نُقبل على عصر كساد عالمي جديد؟