أخباركم – أخبارنا/ د. وفيق ريحان
تعيين حاكم مصرف لبنان يعد من القرارات الهامة والحساسة في النظام المالي اللبناني، وفقًا لقانون النقد والتسليف (المرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1976). يُعتبر مصرف لبنان مؤسسة عامة ذات طبيعة خاصة لأنه يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، كما أن له أهمية وطنية كبيرة في إدارة الشؤون النقدية والتجارية في البلاد. ومع ذلك، يخضع مصرف لبنان لعدة محاذير قانونية وإدارية تتعلق بتعيين الحاكم ونوابه، ويجب أن يتم التعامل مع هذه المحاذير بعناية.
الواجبات والمحظورات
طبقًا لقانون النقد والتسليف، فإن الحاكم ونوابه الأربعة لا يمكنهم الجمع بين وظائفهم وأية عضوية نيابية أو وظيفة عامة أخرى، كما يُمنع عليهم ممارسة أي نشاط مهني سواء كان بأجر أو بدون أجر. يهدف هذا إلى ضمان التفرغ الكامل لأداء مهامهم في المصرف المركزي. بالإضافة إلى ذلك، يحظر عليهم أن يحتفظوا أو يتلقوا أية منفعة في مؤسسة خاصة أثناء فترة عملهم، وذلك وفقًا للمادة 20 من القانون.
ووفقًا للمادة 23 من نفس القانون، فإن الحاكم ونوابه لا يمكنهم الانخراط في أي مجلس إدارة أو أي مؤسسة مالية تخضع لرقابة مصرف لبنان لمدة سنتين بعد انتهاء وظائفهم. هذا يهدف إلى منع تضارب المصالح واستغلال المناصب العامة في القطاع الخاص.
الإشكاليات التي أثيرت بشأن تعيين الحاكم الجديد
لقد تم تعيين الحاكم الجديد، السيد كريم سعيد، بموجب المرسوم المتخذ في مجلس الوزراء، وتوافق عليه غالبية ثلثي الحكومة (17 وزيرًا من أصل 24 وزيرًا)، مع اعتراض رئيس الحكومة وثلاثة وزراء آخرين. لكن هذا التعيين أثار تساؤلات حول مدى الالتزام بالشروط القانونية التي تضمن التفرغ التام للحاكم لممارسة مهامه داخل مصرف لبنان.
أحد أبرز الإشكالات التي أثيرت هو أن السيد كريم سعيد كان يشغل منصب مؤسس وشريك إداري في شركة (كراوتغاث كابيتال) لإدارة الأصول، وهي شركة استثمارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا النشاط يمكن أن يؤثر على قدرة الحاكم على التفرغ الكامل لمهامه في مصرف لبنان. بالرغم من استقالته من الشركة قبل إصدار مرسوم تعيينه، يبقى التساؤل قائمًا عما إذا كان سيواصل تقديم استشارات مالية ونقدية للمؤسسات المالية، ما قد يعرضه لتضارب المصالح.
المحاذير القانونية والإدارية
من المهم التأكد من أن الحاكم ونوابه يتماشون مع القوانين التي تضمن عدم تعارض مصالحهم الشخصية مع مهامهم الرسمية. على الرغم من استقالة الحاكم من الشركات الاستثمارية قبل تعيينه، تظل هناك تساؤلات حول ما إذا كان سيشارك في أي نشاط تجاري أو استثماري في المستقبل يمكن أن يتداخل مع مسؤولياته كمصرفي مركزي.
هل سيحترم الحاكم سياسة مصرف لبنان ويعمل على حماية حقوق المودعين؟ وهل سيتبع السياسات العامة التي تقررها الحكومة وفقًا للقانون؟ هذه الأسئلة ستظل مفتوحة حتى تظهر ممارساته العملية تحت مراقبة وزارة المالية.
إن تعيين حاكم مصرف لبنان يجب أن يتم وفقًا لأعلى معايير النزاهة والشفافية لضمان استقلالية المصرف المركزي وحمايته من التأثيرات السياسية والمالية. المحاذير القانونية التي تنظم عملية التعيين تهدف إلى ضمان التفرغ التام والابتعاد عن تضارب المصالح. سيكون على الحاكم الجديد أن يثبت فعليًا التزامه بهذه المعايير من خلال ممارساته العملية في المستقبل تحت الرقابة الدقيقة من الجهات المعنية.