أخباركم – أخبارنا
تنتشر القواعد العسكرية الأميركية بشكل واسع في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، وهي مجهزة بأحدث المعدات التكنولوجية في العالم، وقد تم تصميمها لتكون قوة استباقية تهدف إلى الردع السريع، وتنفيذ ضربات دقيقة، فضلاً عن بسط النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة.
وبالنسبة للمراقبين، فإن فهم هذه الشبكة من القوة الأميركية هو مفتاح لتفسير التهديدات الحالية والتموضعات الاستراتيجية التي تشكل الوضع الإقليمي الراهن.
يتناول هذا التقرير مدى انتشار البنية العسكرية الأميركية، وهيكلها، وتأثيرها، في سياق التوتر القائم بين الولايات المتحدة وإيران:
“دييغو غارسيا”.. حاملة طائرات غير قابلة للغرق في المحيط الهندي
تُعد جزيرة “دييغو غارسيا” من أهم ركائز الانتشار العسكري الأميركي عالميًا. وتقع الجزيرة تحت السيادة البريطانية، وقد تم تأجيرها للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة. تُوصف بأنها “حاملة طائرات غير قابلة للغرق” لاحتضانها قاذفات بعيدة المدى، وسفنًا موضوعة مسبقًا، ومحطات أرضية للأقمار الصناعية، ومرافق دعم للبحرية الأميركية.
في عام 2024، أظهرت صور الأقمار الصناعية تمركز قاذفات الشبح “B-2 Spirit” في “دييغو غارسيا”، في مؤشر واضح على التموضع الاستراتيجي الأميركي كرد فعل على التوترات الإقليمية.
وتضم القاعدة مدرجًا بطول 12 ألف قدم، ما يتيح استقبال أي طائرة عسكرية أميركية تقريبًا، بما في ذلك الطائرات النووية. وقد كانت “دييغو غارسيا” سابقًا نقطة انطلاق للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، ويمكن أن تؤدي دورًا مشابهًا في حال نشوب نزاع مع إيران.
قاعدة العديد الجوية في قطر: قيادة مركزية في قلب الصحراء
تم بناء قاعدة “العديد الجوية” في التسعينيات، وتوسعت بعد هجمات 11 سبتمبر، لتُصبح أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وتضم أكثر من 10 آلاف جندي. وتُعد مقر القيادة الجوية المشتركة (CAOC)، التي تنسق العمليات الجوية في 21 دولة تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم).
وتحتوي القاعدة على ملاجئ محصنة، ومدرج بطول 15 ألف قدم، وبنية تحتية تدعم القاذفات، وطائرات التزود بالوقود، والطائرات المُسيّرة. وتؤدي دورًا لوجستيًا حاسمًا، كما تُعد عنصرًا رئيسيًا في الحفاظ على التفوق الجوي الأميركي.
قاعدة الدعم البحري في البحرين: مركز للعمليات البحرية
تُعد قاعدة الدعم البحري في البحرين (NSA) مقرًا للأسطول الخامس الأميركي، وهي في صميم العمليات البحرية الأميركية في المنطقة. وتكتسب أهمية استراتيجية نظرًا لقربها من مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله نحو 20% من إمدادات النفط العالمية.
يتولى الأسطول الخامس مسؤولية تأمين أحد أكثر المسارات الملاحية ازدحامًا في العالم، ويشمل حاملات طائرات، وغواصات، ومدمرات، وسفن كاسحة ألغام، مما يتيح استجابة سريعة للتهديدات البحرية، خاصة من جانب إيران.
إسرائيل، الأردن، الإمارات: شبكة قواعد صغيرة متخصصة
إلى جانب القواعد الكبرى، تمتلك الولايات المتحدة عددًا من القواعد الصغيرة أو المشتركة في أنحاء مختلفة من المنطقة، تؤدي أدوارًا متخصصة، مثل:
قاعدة موفق السلطي الجوية (الأردن): تستخدم لإطلاق طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 “ريبر”.
صحراء النقب (إسرائيل): تضم بنية تحتية للدفاع الصاروخي ورادارات تحت إشراف أميركي.
قاعدة الظفرة الجوية (الإمارات): تستضيف مقاتلات “F-35” وطائرات استطلاع متقدمة.
القوة البحرية الأميركية وحاملات الطائرات الهجومية
عند دخول حاملات الطائرات الأميركية إلى الخليج أو بحر عمان، يكون ذلك عادة ضمن مجموعات حاملة الطائرات الهجومية (Carrier Strike Groups)، والتي تتمحور حول حاملة طائرات نووية ترافقها سفن ومدمرات وغواصات.
في أواخر 2023، أُرسلت حاملتا الطائرات “جيرالد فورد” و”آيزنهاور” إلى المنطقة، كرد فعل مباشر على هجمات استهدفت سفنًا تجارية. وتضم هذه المجموعات مدمرات مزوّدة بنظام “Aegis” وصواريخ “SM-3” القادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية.
أنظمة الدفاع الجوي: حماية متعددة الطبقات
تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على منظومات دفاع جوي متعددة الطبقات، أبرزها:
باتريوت، وقد تم دمج هذه الأنظمة مع شبكات رادارية وأقمار صناعية، مما يتيح رصد التهديدات الجوية واعتراضها فور إطلاقها.
اللوجستيات والاستخبارات: العمود الفقري للعمليات
تمتد القوة الأميركية إلى ما هو أبعد من القواعد والسفن، لتشمل:
مستودعات ضخمة للذخائر والوقود والمواد الغذائية.
طائرات استطلاع مثل “RC-135” وطائرات مُسيّرة لجمع البيانات اللحظية.
تنسيق العمليات عبر “سنتكوم”، التي يقع مقرها الرئيسي في تامبا (فلوريدا)، ولها مراكز إقليمية في قطر، البحرين، والكويت.
ماذا يعني هذا الانتشار بالنسبة لإيران؟
من وجهة نظر طهران، يمكن اعتبار هذا الانتشار العسكري نوعًا من “الحصار”، حيث تحيط بها القواعد الأميركية من عدة اتجاهات. وتستطيع القاذفات الأميركية تنفيذ ضربات دقيقة دون الحاجة إلى التمركز داخل حدود العدو، ما يُجبر إيران على الاستعداد لتهديدات متعددة.
وفي حين أن القادة الأميركيين يؤكدون أن الهدف هو الردع وليس الهجوم، فإن الرسالة التي تحملها هذه البنية العسكرية واضحة: أي هجوم على المصالح الأميركية سيقابل برد سريع وحاسم.
التوازن غير المتكافئ: قدرات إيران وقيودها
تعتمد إيران على استراتيجيات غير تقليدية، مثل:
القواعد الصاروخية تحت الأرض.
الطائرات الانتحارية المُسيّرة.
دعم الجماعات المسلحة الحليفة في المنطقة.
رغم ذلك، فإن القوة النارية والتقنية الأميركية تتفوق بشكل كبير، ويجمع المحللون على أن إيران قادرة على إلحاق أضرار، لكنها غير قادرة على خوض مواجهة مباشرة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
قوة منتشرة تحمل رسالة ردع واضحة
الانتشار العسكري الأميركي في الشرق الأوسط والمحيط الهندي متجذر ومرن، ويتسم بجاهزية عالية. من “دييغو غارسيا” إلى “العديد” و”الظفرة”، ومن الدفاعات الجوية إلى الاستخبارات، تشكل هذه المنظومة العسكرية رسالة ردع استراتيجية لإيران، وتؤكد على استمرار النفوذ الأميركي في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.
الانتشار العسكري الأميركي في الشرق الأوسط والمحيط الهندي: منظومة ردع واستراتيجية تطويق
نشرت في
