اخباركم – أخبارنا
“قراءة في حدث”/حاورته ناديا شريم
بعد مرور أربعة أشهر وعشرة أيام على توقيع ما سمي وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، يبدو لبنان اليوم أمام مرحلة جديدة من الطلبات أو الشروط الاميركية – الاسرائيلية التي حملتها مورغان اورتاغوس إلى المسؤولين اللبنانيين، لترسم بعدها معالم مرحلة لا تبدو سهلة بالنسبة الى لبنان بل هي خطيرة ومعقدة إلى حد كبير، خصوصاً وان الاتفاق لم ينجح في منع العمليات العسكرية الإسرائيلية على لبنان كله وليس فقط على الجنوب؟
وتبقى الأسئلة، لماذا لم ينجح الاتفاق بردع إسرائيل؟ هل هو الدعم الاميركي فقط ام أن هناك أخطاء ارتكبها المفاوض اللبناني واوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن؟ وهل سننجح في اقتناص الفرصة التي قدمت إلينا مع عودة المؤسسات الشرعية إلى البلد ام سنبقى كما كنا أسياد الفرص الضائعة؟
في هذا المجال يقول الصحافي والكاتب السياسي جورج شاهين: للأسف هناك فهم خاطىء لما سمي بتفاهم 26 أو 27 تشرين الثاني، فيقال خطأ عن هذا التاريخ انه إعلان عن “وقف اطلاق النار” عند الساعة الرابعة من صباح27 تشرين الثاني 2024. وللتوضيح، هو خطأ يرتكبه سياسيون وبعض المسؤولين وغيرهم، ان تفاهم 26 تشرين ليس “اتفاقاً لوقف إطلاق النار” إنما ما جرى التفاهم عليه هو “تجميد العمليات العدائية”، وهو أمر يختلف عن وقف إطلاق النار. ولم يكن هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، بل اتفاقات لتجميد العمليات العسكرية على أن تنطلق الاتصالات الأميركية وغيرها لترتيب اتفاق يعيد تطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته قبل التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار.
خطأ كبير
وعلى كل حال، بعيداً عن هذه الملاحظات، يمكن القول انه ومنذ تلك الفترة حتى اليوم شهدنا مراحل عدة، فهناك مرحلة الستين يوماً الأولى التي لم يلتزم بها الإسرائيلي، واستمرت العمليات العسكرية فيها نتيجة خطأ كبير ارتكبه الفريق اللبناني الذي كان يترأسه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ذلك ان التفاهم على تجميد العمليات العسكرية لم يتناول ثلاث نقاط أساسية، وهو ما سمح للاسرائيلي بإستمرار الخروقات والإعتداءات على الأراضي اللبنانية وبحق مسؤولي حزب الله. ما حصل، اننا تناسينا أن هناك موقوفين أو معتقلين من مسلحي حزب الله لدى الجانب الاسرائيلي ولم نأت على ذكرهم، تجاهلنا في الإتفاق أيضاً بنداً خاصاً بوقف ما يسمى بـ “العمليات الهندسية” ولم يحتسب الجانب اللبناني اهميته، وهو يعني بداية تطبيق التفاهمات الدولية الخاصة بالمناطق المحتلة. فلو كنا واعين لهذه النقطة، لما كان الإسرائيلي قادر على تفجير المنازل بحجة تفجير الانفاق وتحويل أربعين قرية لبنانية إلى خراب بعد نسفها بشكل كامل بحجة أنه يوجد في هذا المنزل قطعة سلاح، أو تفجير نفق في الجنوب وبحجج مختلفة، وهناك أيضاً خطأ ثالث وهو عدم تحديد أي مهلة كمراحل محددة من ضمن الستين يوماً.
من هنا، لم يسأل الإسرائيلي عن دور لجنة الإشراف على تطبيق التفاهم ومراقبة الوضع في جنوبي الليطاني بل تسلح بمراجعته للجانب الاميركي على أساس “كتاب الضمانات الأميركية” الذي حصل عليه بالتزامن مع تجميد العمليات العسكرية، وهو أمر خطير للغاية. وللذكرى فقط، فإن الرئيس امين الجميل رفض التوقيع على اتفاق 17ايار بعد أن وافق مجلس النواب والحكومة عليه عندما اكتشف في الأيام الأخيرة بعد اقراره في مجلس النواب والحكومة بأن هناك كتاب ضمانات اميركية قدمه الرئيس الاميركي رونالد ريغان للحكومة الإسرائيلية، فطالب الرئيس الجميل بكتاب مثيل له، مبلغاً الجانب الاميركي بأن لبنان يحتاج إلى الضمانات وليس إسرائيل فلم يحصل عليه، وكان ذلك سبباً اساسياً لعدم التوقيع على اتفاق 17 أيار.
اضاف شاهين: بعد انتهاء الستين يوماً جرى التمديد حتى 18 شباط بعدها احتفظ الجانب الاسرائيلي بخمسة مراكز اساسية في الجنوب بحجة أنها لحماية المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية ورفض الانسحاب منها. وكما في المرة السابقة، فإنه لم يسأل عن الجانب اللبناني أو اللجنة الخماسية، ونال موافقة الأميركي بعدما كانت انتقلت السلطة في الولايات المتحدة من الرئيس جو بايدن إلى الرئيس دونالد ترامب، واستكمل الوضع على ما هو عليه وتطورت النقاط المحتلة لاحقاً لتتحول تقريباً ما بين 13 و15 نقطة محتلة، ذلك انه يرى نفسه مجبراً على حماية النقاط الخمس بأن ينتشر في محيطها، فتعددت المراكز المحتلة.
ملوك الفرص الضائعة
هل نحن اليوم امام فرصة لتصحيح المسار؟ أجاب: بالتأكيد نحن أمام فرصة ذهبية مهمة جداً، لقد عانينا في الفترة السابقة من نتائج حرب “الإلهاء والاسناد” التي دمرت لبنان بعدما استدرج إلى حرب لم يكن لأحد رأي فيها، لا حكومته ولا المجلس النيابي أو أي مسؤول لبناني آخر، وعلى الرغم من ذلك استمرت الحرب. الفرصة الذهبية متأتية ايضاً من انتهاء فترة خلو سدة الرئاسة من شاغلها، بما أننا امضينا 26 شهراً من دون وجود رئيس للجمهورية، وترك الامر لرئيس السلطة التشريعية الذي كان يفاوض ورفع الاتفاق من الجانب الاميركي بنسخته الانكليزية إلى الحكومة التي تبنته في 28 تشرين الثاني. يعني أن كل ما كان قائماً، لا يستند إلى أي سلطة دستورية او شرعية. فكلنا يدرك أن الدستور يعطي رئيس الجمهورية الذي يقسم وحده على الدستور الحق بالمفاوضات الدولية وعقد أي اتفاقات خارجية. اليوم اكتمل عقد المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية ووجود حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية بعد فترة تحكمت بها حكومة تصريف أعمال لم تكن قادرة على اتخاذ كل القرارات.
على كل حال، إن الحديث عن فرصة جديدة أمر مهم جداً اذا تضافرت كل الجهود وتعاونت كل السلطات الرسمية، ولكننا في لبنان ملوك الفرص الضائعة. من هنا لا أعلم إذا كنا سنستفيد من هذه الفرصة. بالتأكيد الدعم الدولي والاقليمي يحتاجه لبنان في مرحلة الإفلاس، وبعد تعثر كبير منذ العام 2019 والانهيار المالي والاقتصادي بحيث أننا اقتربنا من الانهيار الكبير. من هنا ليس أمامنا سوى استجرار هذا الدعم الإقليمي والدولي، ولنتذكر أنه لولا الدعم الإقليمي والخليجي تحديداً لما بقيت مؤسسة الجيش على ما هي عليه. هذا إضافة الى الدعم القطري والدعم الاميركي والاوروبي والفرنسي وغيره، وهو ما ابقى بعض المؤسسات على حالها من القوة لتوفير الحد الأدنى من حقوق اللبنانيين، في حين لم يغب دعم الكهرباء والدواء وغيره في مرحلة لاحقة .
وهكذا شعرنا لسنوات عدة، بفقدان دور الدولة الراعية. فلنتذكر أننا مررنا في فترة فقد فيها الدواء ومعه المحروقات، وهي أمور يجب ألا تتكرر عند قيام الدولة بكامل مؤسساتها الدستورية. لكن السؤال الأهم من ذلك: هل ادركنا أهمية ما نحن عليه اليوم لإعادة بناء الدولة؟ انا لا اربط بين بناء الدولة وإعادة اعمار ما هدمته الحرب، الجميع يعرف أن الدعم لإعادة النازحين واعادة بناء ما دمرته هذه الحرب الكبيرة بات رهن بعض الخطوات السياسية المتعثرة، ولا سيما تلك المتعلقة بكيفية تطبيق القرار 1701. لا وقت للجدل والقول إن القرار لا يعني بعض المناطق لأن الاتفاق يعني كل لبنان أي الـ 10452 كيلومتراً مربعاً، فلنتذكر أن الاتفاق قال بنزع السلاح غير الشرعي وفي عهدة الدولة اللبنانية من قيادة الجيش حتى الشرطة البلدية. هو أمر حسمه الاتفاق، كما يجب أن لا ننسى أن هناك بنداً آخر يقول بضبط الحدود البرية والبحرية والجوية، وضبط مصانع ومخازن الأسلحة غير الشرعية، وهو أمر يعني كل لبنان.
اما عن مهمة أورتاغوس، فيشدد على أنه بغض النظر عما تعودنا عليه من تعابير، فإن أورتاغوس هي ديبلوماسية متمرسة وقد مارست ادواراً في وزارة الخارجية على مدى السنوات الأخيرة وهي تتقن اللغة الديبلوماسية، وقد تحدثت بصراحة في قصر بعبدا كما فعلت في المرة الماضية، وتحاشت هذه المرة الاطلالات في انتظار بيان رسمي يصدر عن السفارة الأميركية أو عن مؤتمر صحافي تعدد فيه المغزى الذي ارادته من هذه الزيارة. يجب ألا ننسى أن هذه الزيارة ارجئت أكثر من مرة، لم تكن أورتاغوس مقتنعة بأنها ستجني شيئاً من زيارتها إلى بيروت. أنا لا ادعي أنني اعلم ما جرى بينها وبين رئيس الجمهورية أو غيره، وكل ما نشر من معلومات يتحدث بشكل طبيعي اننا نتمنى هذه الرعاية الأميركية. لقد تمنيناها عند اتفاق الترسيم البحري، وكان على رأس المفاوضات ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي هو آموس هوكشتاين ورضينا بهذه الرعاية. فإذا كنا نريد جميعنا كمسؤولين، رئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة وكل اللبنانيين، علينا أن نستمع إلى هذه الادارة المتمثلة اليوم بأورتاغوس، خصوصاً وأنها واضحة عندما تتحدث عن تطبيق القرار 1701 والسلاح غير الشرعي. بعض اللبنانيين يقولون إن ما تقوله هو تهديدات، لكنه أمر واقعي وهو تفسير لاتفاق 27 تشرين الثاني، فإذا كنا نرفض ما يفرضه علينا هذا الاتفاق نسميها تهديدات. أما إذا كنا حريصين على تطبيقه والحفاظ على الرعاية الدولية والاميركية تحديداً والفرنسية والخليجية وكل الأطراف، فكلهم يقدمون لنا النصائح بتطبيق الاتفاق والبت بمصير سلاح حزب الله في أسرع وقت ممكن .
من هنا لا أعتقد أنه يمكن أن نسميها تهديدات بل هي نصائح التزم بها لبنان، لا الرئيس جوزاف عون ولا الرئيس نواف سلام من ابرم الاتفاق، وحتى أن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لا علاقة له به. ان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من أبرمه بتفويض مطلق من حزب الله الى “الأخ الأكبر” نبيه بري. وهنا اعتقد أن من واجب الرئيس بري أن يقدم توضيحاً حول بعض النقاط لأن مثل هذا التوضيح قد يوفر علينا الكثير من القراءات المتناقضة مع الرؤية الأميركية والفرنسية والخليجية للاتفاق، وعندها يمكن أن نتحدث بهدوء ونسترشد بنصائح أورتاغوس ومواقفها ونوحد رأينا للتفاهم ولكيفية تطبيق القرار 1701.
آلية العمل في المرحلة المقبلة
وهل النتائج محسومة يقول الصحافي والكاتب السياسي جورج شاهين: ليس علينا أن نقدر أو أن نجزم ما يمكن أن تنتهي اليه زيارة المسؤولة الأميركية، فإذا صح القول بأن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كانوا مرتاحين لهذه اللقاءات مع أورتاغوس – وقد وصفوه كلهم بأنه “جيد وايجابي”- فهذا يعني أننا تفاهمنا مع الديبلوماسية الأميركية على آلية العمل في المرحلة المقبلة. ان القبول بالرعاية الأميركية وبتنفيذ الاتفاق هو رهن التزام لبنان بما هو مطلوب منه ،صحيح أننا نطالب اليوم بالإنسحاب الإسرائيلي من المناطق اللبنانية المحتلة لكن هذا الأمر يرتب علينا تطبيق أمور كثيرة لنقوي موقفنا، فإذا قررنا بشكل جازم لا يقبل أي نقاش بأننا سنلجأ منذ اليوم الى الخيارات الديبلوماسية، وهي تحتاج إلى هدوء وترو وبحث جدي في كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، والعمل على تعزيز دور الدولة ومؤسساتها لإدارة المرحلة المقبلة، فنحن في عمق الأزمة المالية وما زلنا في الأزمة النقدية. نطالب وكأننا في بلد عادي أو دولة عادية، ونحن كدولة نفتقد للكثير من الادوار الرعائية والخدمات.
رهن قدرتنا على التجاوب
إن الوضع ما بعد زيارة اورتاغوس هو رهن قدرتنا على التجاوب مع نصائحها ومطالب ونصائح المجتمع الدولي لنحظى بالرعاية الدولية، لأننا إذا افتقدناها نفتقد كل شيء. فلو افتقدنا في الماضي الرعاية المالية الأميركية أو الفرنسية أو الخليجية، لما كان لدينا اليوم جيشاً صامداً. لا يجب ان ننسى انه بوقف عمل الوكالة الاميركية للتنمي USAID في لبنان والعالم، فقد اكثر من 1800 لبناني وظائفهم في لبنان، عدا عن توقف مئات المشاريع الحيوية التي كانت تمولها أميركا وقد توقفت بقرار اتخذه الرئيس الاميركي دونالد ترامب. بكل وضوح وصراحة، إن المستقبل هو رهن قدرتنا على استيعاب المرحلة ومواجهة الاستحقاقات الكبرى التي تنتظرنا لنثبت أننا استعدنا دور الدولة القوية والعادلة والقادرة، فلدينا رئيس للجمهورية يتمتع بثقة الداخل والخارج، ولدينا حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية ومجلس نواب يمكن أن ينطلق بورشة تشريع نيابية، فلا ندعي أنه كان لدينا سلطة تشريعية. فهذا المجلس هو اكسل مجلس نيابي في تاريخ لبنان، فقد مضت ثلاثة اعوام تقريباً على انتخابه وفشل على مدى عامين ونصف عام في انتخاب رئيس للجمهورية. لم ينجز هذا المجلس القوانين الإصلاحية، وبقينا سنتين ونحن ننتظر قانون “الكابيتال كونترول” الذي لو صار العمل به كما في اي دولة في العالم، لكان لدينا هذا القانون خلال ايام قليلة على وقوع الازمة المالية بهدف ضبط الوضع النقدي التي وقع اللبنانيون ضحيته.
لذلك، علينا أن نثبت أننا بتنا في مرحلة الرشد، وقادرون أن ندير أنفسنا بأنفسنا ولا نتكل على الرعاية والتدخلات الخارجية في كثير من القضايا التي تعد من أهم واجبات المسؤولين والدولة، ومن ابسط حقوق المواطنين لضمان الحد الأدنى من العيش الكريم .
شاهين لموقعنا: القرار 1701 يغطي 10452 كلم2 ومستقبل لبنان مرتبط بمدى التزامه بهذا القرار!
نشرت في
