كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
أي احتمالات سيحملها مسار المفاوضات الايرانية – الاميركية على اوضاع الساحة اللبنانية المثقلة بالتعقيدات والتناقضات، وعلى ملفاتها الخلافية المتراكمة، وفي مقدمها سلاح حزب الله لا سيما منه الموجود في شمال نهر الليطاني، والذي يصر الحزب على اعتباره انه خارج مفاعيل القرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار الذي بدأ سريانه قبل اشهر ومن جانب واحد هو الجانب اللبناني؟
واستطراداً، هل من صلة منظورة بين مسار المفاوضات بالواسطة التي هي على وشك الانطلاق بين الايرانيين من جهة والاميركيين من جهة اخرى، وبين مستقبل الاوضاع في لبنان؟
هذه التساؤلات، وما ينبثق عنها من عناوين فرعية حملناها الى خبير الشؤون الايرانية والباحث في شؤون صراعات الاقليم الاكاديمي طلال عتريسي، فكانت له هذه الرؤية اذ قال: بث خلال الساعات القليلة الماضية خبر مفاده أن مسؤولين عراقيين ابلغوا الى وكالة “رويترز”، ان مجموعات وقوى وفصائل عراقية تدور في الفلك الايراني، صارت مستعدة لنزع سلاحها بهدف تجنب الغضب الأميركي. وفي الموازاة، نقلت الوكالة اياها عن مسؤولين في الحرس الثوري الايراني ان قيادة الحرس وافقت على تجنب الصراع بين تلك الفصائل العراقية والاميركيين.
أضاف: إن مضمون هذا الخبر ليس جديداً بالنسبة لنا، فقد بات معروفاً منذ زمن ان الفصائل العراقية المشار اليها (موالية للطهران) علقت منذ نحو سنة مشاركتها في اعمال المواجهة مع اسرائيل، كما اوقفت اي اشتباك مع القوات الاميركية المنتشرة في بعض مناطق العراق وسوريا. لكننا نرى ان تأكيد هذا النبأ مجدداً في هذا التوقيت بالذات، هو بمثابة رسالة جدية من الجانب الايراني الى الجانب الاميركي غداة ما اشيع عن انطلاق المفاوضات الاولية غير المباشرة بين الجانبين، فحواها اننا جادون في التفاوض ومستعدون لتقديم بيان حسن نيات.
وعليه، يستطرد عتريسي، اننا نجد ان تلك المفاوضات المنتظرة قد انطلقت بشكل فعلي وبات في الامكان البناء عليها، واستتباعاً فان امكان تحولها لاحقاً الى مفاوضات مباشرة صار احتمالاً وارداً ومقبولاً من جانب القيادة في طهران.
لكن الذي نعلمه في هذا الاطار، أن الشرط الاساسي عند القيادة الايرانية المعنية لكي تمضي قدماً في ما بدأته، هو ان لا تظهر طهران بمظهر الذاهب الى تلك المفاوضات تحت وطأة الضغوط والتهديدات ومن موقع المغلوب على امره والضعيف.
ويؤكد الدكتور عتريسي أن مصلحة ترامب وما يعده من خطط تفرض عليه، هي خوض التجربة الديبلوماسية مع طهران بقصد الوصول الى تفاهم معها يوماً ما، وليس خوض حرب وفتح ابواب المواجهات العسكرية معها على مصراعيها. فهو يعلم يقيناً أن ايران، وان وجهت اليها ضربات قاسية تدميرية، فإنها ليست من النوع الذي يذعن ويستسلم للأمر الواقع. لذا مصلحة واشنطن تقتضي بأن تمضي قدماً في مسار التفاوض مع ايران حتى بلوغ عتبة التفاوض والاتفاق. واعتقد في المقابل، ان الايرانيين باتوا متقبلين لفكرة الانفتاح مع واشنطن بحيث تفتح لترامب ابواب الاستثمارات الاقتصادية والمالية في ايران اذا اقتضى الحال، علماً ان ترامب يطمح الى تحقيق وضع كهذا.
ويقول عتريسي رداً على سؤال: من شأن دفع المفاوضات قدماً بين طهران وواشنطن أن يترك انعكاسات ايجابية على مسار الاوضاع اللبنانية المثقلة بالتعقيدات والاحتمالات السلبية. ولقد سمعنا في الآونة الاخيرة مَن يطلق في اوساط بيروت الاعلامية والسياسية، مقولة مفادها ان مصير سلاح حزب الله في شمال الليطاني مرتبط الى حد كبير بمسار المفاوضات الايرانية – الاميركية ونتائجها، وانه لا يمكن للحزب أن يسلمه الا بعد ابرام اتفاق ايراني – أميركي. وبصرف النظر عن صحة هذه المقولة التي تجد من يزكيها ويتبناها، فالأكيد ان تقدم تلك المفاوضات من شأنه أن يكون عاملاً في “تنييم” مسألة سلاح الحزب الخلافية الصراعية، خصوصاً ان الجانب الاميركي يدرك أن المزيد من ممارسة الضغط في هذا الموضوع هو بمثابة استيلاد لجرعة ضغط اضافية على الداخل اللبناني المثقل بالانقسامات. وعليه، يضيف عتريسي، نحن لم نفاجأ باللهجة المرنة التي استخدمتها الموفدة الاميركية الى بيروت في رحلتها الاخيرة اليها عند تطرقها مع الرؤساء اللبنانيين الذين قابلتهم إلى نزع سلاح الحزب، لا سيما عندما ذكرت وربما للمرة الاولى انها لا تشترط وضع جدول زمني لنزع هذا السلاح من يد مقاتلي الحزب.
ثم قال رداً على سؤال آخر: مما لا شك فيه ان كل القوى اللبنانية وخصوصاً “حزب الله”، باتت على يقين من أن ثمة مرحلة جديدة ومعادلة مختلفة عن ذي قبل قد بدأت، خصوصاً بعد المواجهات الميدانية الاخيرة واتفاق وقف النار الذي تلاها. لذا، فان الحزب اطلق اكثر من اشارة ورسالة وخطاب يفيد بأنه ليس في وارد العودة الى استخدام السلاح في المواجهة مع الكيان حالياً، اي العودة الى الوضع المتوتر الذي كان سائداً قبل اشهر قليلة.
وخلص الدكتور عتريسي الى القول، أستطيع ان اعرض ثلاثة استنتاجات كثوابت للمرحلة المقبلة هي:
- ان ثمة رغبة عند الحزب في طيّ صفحة الحديث عن مصير سلاح المقاومة وازاحته من دائرة التداول الى اجل غير مسمى، وتحديداً في انتظار نتائج مفاوضات المنطقة والتسوية الاقليمية المحتملة.
- لا ريب في ان المفاوضات الايرانية – الاميركية والدفع بها قدماً، من شأنه أن يولد مزيداً من الايجابية على الوضع اللبناني.
- ان القيادة الايرانية سبق وان ابلغت الى مَن يعنيهم الامر بأنها ما زالت ترفض بازار التفاوض مع الاميركيين حول الملفات الإقليمية، واستطراداً حول ما صار يعرف بدورها الاقليمي ،وانها تسعى حصراً الى اتفاق على غرار الاتفاق النووي الذي سبق لترامب نفسه أن الغاه.