أخباركم – أخبارنا / مسعود محمد
مخيم اليرموك في دمشق لم يكن مجرد حي سكني، بل كان مصنعًا لأحلامنا الثورية. في زواريب الحي ومقاهي حاراته، نشأت نقاشاتنا الأولى حول تحرير فلسطين وبناء وطن حر. كان المخيم ملاذًا للكثير من الحركات السياسية، حيث كانت مقار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تؤم الحزب الشيوعي اللبناني، وكان المخيم مقصدًا للمجاهدين والمناضلين. من منا لم يمر عبره في مهمات نضالية؟ كان المخيم موطنًا لنا، حيث عشنا في ظروف اللاجئين، وكانت الأحلام تنمو مع الألم في قلوبنا.
لكن هذا الحلم تحطم بقسوة. فقد عانى اليرموك كثيرًا من سياسة النظام السوري على مر العصور. يكفي أن نعرف أن أحد أسوأ فروع الأجهزة الأمنية السورية وأكثرها دموية كان يحمل اسم “فرع فلسطين”، ليُدرك الجميع كم كان النظام السوري يكره فلسطين وكل ما يتعلق بها، حيث استغلها كواجهة لستر أدوات قمعه وسياسته القمعية.
عندما اندلعت الثورة السورية في عام 2011، انقسم المخيم بين من حلم بالحرية ومن تمسك بالخوف. في ديسمبر 2012، سيطرت فصائل المعارضة على اليرموك، فكان رد النظام عبر حصار خانق استمر لسنوات، حيث أُغلق المخيم عن الغذاء والدواء والماء والكهرباء، مما أثر على أكثر من 160 ألف مدني.
كان الحصار المفروض جوعًا ممنهجًا، حيث قُتل الناس في طوابير الخبز، واشتد البرد حتى فتك بالأطفال في أحضان أمهاتهم. لم يكن لدى سكان المخيم خيار سوى الهجرة أو العيش تحت القصف والموت البطيء. ومع مغادرة داعش، لم يُسمح لأهالي اليرموك بالعودة إلا بعد سنوات، ليكتشفوا أن بيوتهم قد سويت بالأرض، وذاكرتهم الجماعية دفنت تحت الأنقاض.
في مخيم اليرموك، كانت ثلاثة شوارع رئيسية هي: شارع اليرموك، شارع فلسطين، وشارع الثلاثين، التي كانت تمثل شرايين الحياة في هذا المخيم الذي يعتبر واحدًا من أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في العالم. ومع توسيع دمشق، تسارعت عملية التطور العمراني في المخيم، حيث قامت الغالبية العظمى من سكانه بتحسين منازلهم المتواضعة وتحويلها إلى أبنية طابقية متوسطة الارتفاع (3-5 طوابق)، مما جعل المخيم يعكس صورة من التطور العمراني المذهل في تلك الفترة. كما تحسنت الخدمات بشكل ملحوظ في المخيم، من شبكات المياه والصرف الصحي، إلى الكهرباء والهاتف، والمواصلات.
في تلك الأيام، افتتحت العديد من المراكز الحكومية والأفران داخل المخيم، بالإضافة إلى أن الشوارع تحولت إلى أسواق تجارية تزخر بالمئات من المحلات التجارية المتنوعة. من أبرز هذه الأسواق: سوق شارع اليرموك، وسوق شارع لوبيا، وسوق شارع صفد، وسوق شارع فلسطين، وسوق السيارات.
وفي مارس 2025، اجتمع من بقي من أبناء المخيم في ذكرى الثورة، رافعين صور شهدائهم، متمسكين بحلمهم بالحرية والكرامة. أكدوا أن فلسطين لا يمكن اختصارها في فرع أمني أو بيد أنظمة سياسية تتاجر بالقضية الفلسطينية. على الرغم من كل الألم، يظل اليرموك حيًا في قلوبهم، وفي كل شخص مر عبره ذات يوم وحمل رغيفًا لأخيه الجائع أو كتابًا يحلم بفلسطين حرة.
يبقى السؤال: هل يوجد للاجئ الفلسطيني في سوريا أملٌ في العودة إلى مخيمه وكرامته؟ أم أن مستقبله سيظل رهينًا لتوازنات الأنظمة والجغرافيا السياسية التي طالما استغلت قضيته كمقايضة؟