أخباركم – أخبارنا
“الحدث الإقتصادي”/حاورته ناديا شريم
بعد مرور حوالى عشرة ايام على خطوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب التي قضت برفع الرسوم الجمركية على 180 دولة والتي تسببت بردود فعل هذه الدول، مما دفع بترامب لرفعها مجدداً على 60 دولة منها الصين، حيث زادها بنسبة 104 بالمئة، فعادت السوق العالمية لتشهد تخبطاً لم تشهده منذ فترة طويلة .
دخلت الرسوم الجمركية الصينية البالغة نسبتها 84% على المنتجات الأميركية حيّز التنفيذ اليوم، مما يمثل مرحلة جديدة في الحرب التجارية التي تشنها واشنطن ويزيد المخاوف من حدوث ركود عالمي، وستطبق الرسوم الجمركية الجديدة على كل المنتجات الأميركية التي تدخل الصين والتي بلغت قيمتها حوالى 143.5 مليار دولار في العام 2024، وفقاً لمكتب الممثل التجاري الأميركي.
أمام هذا الواقع الذي يشهد حروباً اقتصادية شرسة أهمها الحرب الاميركية الصينية، ماذا يقول الخبراء عن التأثيرات والإنعكاسات على الإقتصاد العالمي على المدى القصير والمتوسط والطويل.
يقول الخبير المالي الدكتور جاسم عجاقة: نحن نعرف ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قام بزيادة الرسوم مجدداً، فبعدما وضع رسوماً على 180 دولة، عاد ووضع رسوماً جديدة على 60 دولة منها كرد فعل على الإجراءات التي اتخذتها تلك الدول، وهي تتراوح بين 10و60 بالمئة، الا الصين، حيث زادها إلى 104 بالمئة.
ويضيف: أمام هذا الواقع علينا أن نعرف ان كل بلد يوجد فيه عجز في حسابه الجاري، اي في الميزان التجاري، ومن لديه عجز في الموازنة فإنه يتجه من حيث المبدأ إلى الإفلاس كما حصل في لبنان. ولكي يحل المشكلة عيّن ترامب إيلون ماسك على رأس وزارة سماها “وزارة الكفاءة الحكومية” كي يخفف من المصاريف لتنزيل العجز الذي يفوق التريليون دولار، وفي الوقت ذاته، لكي يخفف عجز ميزان المدفوعات أو الحساب الجاري، فبدأ بفرض الرسوم الجمركية لتخفيف الواردات على أميركا وزيادة الصادرات من باب ترخيص الدولار الاميركي.
ويتابع عجاقة: كنا توقعنا سابقاً ان تصدر ردود فعل من الدول وهذا ما حصل للصين مثلاً، لكن مخطط ترامب فيه الكثير من الدراسة والحنكة لأن الوقت الحاضر هو الوقت المناسب لمثل هذه الخطوة، إذ فاجأ الدول الأخرى غير المستعدة والتي لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة في أي حرب تجارية نتيجة لوضعها الاقتصادي، وفي الوقت نفسه سمحت هذه الإجراءات لترامب بفرض شروطه في التفاوض لأنه رجل أعمال وصفقات في الدرجة الاولى قبل أن يكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن ما قام به هو من أدوات عمله، ذلك انه لم يفرض الرسوم الجمركية ويعلن ان خطوته انتهت، بل طلب التفاوض بالتوازي مع ذلك وهذه طريقة من طرقه بحيث أنه لم يقفل الباب.
كل العالم سيعاني
اما عن توقعاته المستقبلية، فيقول الدكتور عجاقة: على هذا الاساس أتوقع حصول أمرين: الأول في المدى القصير والآخر على المديين المتوسط والبعيد. فعلى المدى القصير، إن كل العالم سيعاني وسيتراجع نمو الاقتصادات العالمية بسبب انخفاض التجارة، خصوصاً وأن السوق الاميركي هو سوق استهلاكي بإمتياز، وهو مهم بشكل كبير للشركات العالمية كلها لأن المواطن الاميركي لديه قدرة شرائية عالية، كذلك لديه حب الاستهلاك وسلوكه الاستهلاكي مرغوب من قبل الشركات وعدد المستهلكين في السوق الاميركي الذين يضم 350 مليون شخص، وهذا رقم ليس بصغير. إذاً، نحن أمام اقتصاد اميركي هو اقتصاد ضخم يشكل ربع اقتصاد العالم، وقد فرض رسوماً جمركية ومعظم اقتصاديات العالم لا تستطيع الرد لأنه يمسكها، وبالتالي سيتفاوضون معه وسيحصل على ما يريده. لكن على المدى القصير، فإن كل الاقتصاديات ستعاني بما فيها الاقتصاد الاميركي. وإذا لاحظنا الأسواق فإنها ضائعة، واسهم الشركات الاميركية خسرت الكثير من قيمتها لأن المستثمرين ينتظرون نتائج إجراءات ترامب، وهناك “خربطة” لسلاسل التوريد لأن الطلبات ستطالها، وهذا ما سيطال اسعار النفط. لا تجارة يعني لا عمل، أي أن لا إستهلاك للنفط، وهذا يعني أن سعر النفط سينخفض وسيرتفع سعر الذهب والمعادن الثمينة كالفضة لسبب بسيط جداً، كونها ستعتبر ملاذاً آمناً في غياب النمو الإقتصادي .
ويضيف عجاقة: ما يحصل عادة أن سوق الاسهم سيخسر على المدى القصير، وقد يشهد سوق العقارات نهضة لأن المستثمرين الذي لديهم فائض “بالكاش” سيستعملونه لزيادة الأرباح. اما على المدى الطويل، فإن الاقتصاد الاميركي هو من سيربح وهناك مؤشرات كثيرة تدل على هذا الأمر، ذلك ان هدف ترامب الحقيقي من خطوته هو التقليل من الاستيراد من الخارج، وذلك يحتاج لشركات محلية لتصنيع ما كان يستورده الاميركي، والدليل أن شركة تويوتا أعلنت أنها ستنقل مصانعها إلى أميركا لأن ذلك يعني أنها لن تخضع للرسوم الاميركية واسعار سيارتها ستبقى رخيصة بالنسبة إلى المواطن الأميركي، والسوق الاميركي مهم جداً بالنسبة الى الشركة .
لذلك، فإن إجراءات ترامب تعني على المدى الطويل استثمارات جديدة في أميركا ووظائف جديدة، وقد دعا إلى نقل شركات الى اميركا على أن تعفى من الرسوم الجمركية ومن الدراسات البيئية وتعطى ترخيصاً بشكل فوري. وهذا يعني ايضاً تقوية الصناعة في داخل اميركا والمزيد من ربح الاقتصاد الاميركي على المدى البعيد. وهنا أتى رد الصين على أول رسوم، مما دفعه إلى الرد ورفعها إلى 104 بالمئة، وهذا يعني أن الصين هي الخاسرة حتى ولو وجدت اسواقاً جديدة علماً أنه ليس بالأمر السهل، لأنها ما زالت جديدة في معظم الأسواق وهذه الأسواق لا تستطيع تعويض السوق الاميركي لأنه مهم جداً.
إذاً، ما سيوفره ترامب في عجز الموازنة بواسطة ماسك سيستخدمه في تخفيف الضرائب على الشركات التي ستدخل إلى أميركا، مما يعني ان هذا المخطط سيقطف ترامب ثماره على المدى الطويل.
ويتابع: أما بالنسبة الى الشرق الأوسط، فإن بعض الدول ستتأثر كمصر والعراق والكويت، اما لبنان فلن يتأثر لأنه كان معفياً من الرسوم الجمركية قبل صدورها بفعل اتفاقية خاصة. هناك الآن عشرة بالمئة وهذا اقل من إسرائيل حيث وصلت الرسوم الاميركية عليها إلى 17 بالمئة. وحين ذهب نتنياهو إلى واشنطن، ذكر ترامب في المؤتمر الصحافي أن إسرائيل نأخذ منا أربعة مليون وهذا يكفيها، ولا اعتقد أنني سأخفض عليها الرسوم الجمركية، وهذا يعني أنه ليس هناك حليف أو خصم لترامب وما يهمه هو الربح والصفقات. هذه الطريق عدوانية، لكنها ستعطي ثمارها لأميركا على المديين المتوسط والبعيد، مع التأكيد بأنه ستكون لها تداعيات على الإقتصاد والشركات الاميركية وعلى اسعار النفط وعلى سلاسل التوريد، وعلى الاقتصاديات العالمية في المدى القريب، قبل العودة إلى حالة من التوازن.
وختم عجاقة: هذه الإجراءات ستغير ميزان التجارة الدولية في العالم حيث كان الجميع مقتنعاً بأنه يصب في مصلحة الصين لأنه سيصبح في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية وسلاسل التوريد ستتأثر بنسبة عالية جداً.