✍️ سعود المولى | أخباركم – أخبارنا
ليس سمير فرنجيه بالشخص العادي، بل هو من أولئك الاستثنائيين الذين لم يتركوا لحظة واحدة تمرّ دون أن يحاولوا فيها إعادة بناء ما تهدّم، وترميم ما تصدّع في قلب الاجتماع اللبناني. لم يكن رجل سياسة تقليديًا، بل “رجل الفكرة” و”رجل الالتزام المدني”، الذي اختار الصعب: المقاومة السلمية، الحوار في زمن القطيعة، والمصالحة في لحظة التناحر.
الفكر والالتباس والسعي إلى الصيغة الأفضل
كانت استثنائية سمير تنبع من عمق الإشكاليات التي واجهته: بين العنف والسلم، الطائفية والمواطنية، الروحانية والمادية، الكيانية اللبنانية والعروبة الثقافية، الليبرالية والاشتراكية… لم يكن مجرّد حامل لمشاريع سياسية، بل باحث عن المعنى في كل مسار، في محاولة متواصلة لإيجاد صيغة وطنية قائمة على العدالة والمساواة.
منذ تأسيس المؤتمر الدائم للحوار اللبناني عام 1993، بالشراكة مع شخصيات وطنية من مختلف الخلفيات، سعى فرنجيه إلى إرساء مصالحة وطنية حقيقية تقوم على الاعتراف، والمكاشفة، والتأسيس لثقافة سياسية مدنية تتخطى منطق السواطير والتخوين. وبرعاية من البطريرك صفير والشيخ محمد مهدي شمس الدين، تولّى سمير قيادة واحدة من أنضج التجارب الحوارية في لبنان ما بعد الحرب.
من قلب زغرتا إلى قلب لبنان
ابن زغرتا، الآتي من بيئة سياسية طابعها تقليدي، قرر أن يخرج عن المألوف، حاملاً مشروع الدولة المدنية والديموقراطية الاجتماعية. لم ينحز يومًا للطائفة على حساب الوطن، ولا للحزب على حساب المبادئ. كان صوته دافئًا، لكنّ كلمته حادة كالسيف. نبرته زغرتاوية ولكن روحه كانت لبنانية-عربية-إنسانية.
منذ لقائي به عام 1969، ونحن على الدرب نفسه: من القومية إلى الماركسية، من يسار الستينات إلى تحولات السبعينات، ومن العمل الحزبي إلى الحوارات العابرة للانتماءات. أنجزنا معًا “مانيفست من أجل لبنان”، و”إعلان بيروت”، وأسّسنا لقاء قرنة شهوان، والمنبر الديموقراطي، والبريستول، و14 آذار، وصولاً إلى المؤتمر الدائم لسلام لبنان والعيش الواحد في 2015، الذي ختم به رحلته الكبرى في السعي إلى بناء وطن يتسع للجميع.
بين المواطنية والتعددية: معادلة سمير
الدرس الأكبر الذي قدمه سمير فرنجيه للبنان، هو معادلة التوفيق بين حق المواطن الفرد وحق الجماعة، بين الدولة التي تحمي الحقوق الفردية والمجتمع المتنوع الذي يحتاج إلى طمأنينة وجودية. هذا هو “العقد اللبناني” الذي دافع عنه، وجعل منه بوصلته الفكرية والسياسية.
في حضرة الغياب… الحضور الأبهى
في 11 نيسان 2017، غاب سمير، قبل يوم من ذكرى ولادته. لكنه لم يغب عن مساره الذي خطّه: مقاومة من نوع آخر، لا تحمل السلاح بل تحمل الكلمة والميثاق، وتحفر في وجدان هذا الوطن معنى آخر للكرامة والسيادة.
بوركت يا سمير، الفارس النبيل، الشاهد الدائم على الحلم اللبناني.
“نحنُ ملزمون بحماية حُلمِنا وحمايةِ لبنان… نحنُ – قوى 14 آذار – لا يُفرِّقُنا إلا الموت.”
(سمير فرنجيه، البريستول، 14 آذار 2010)
📌 نُشر في الذكرى الثامنة لرحيل سمير فرنجيه، حامل مشروع لبنان المتعدد والمتساوي.