السبت, أبريل 19, 2025
23.4 C
Beirut

ترامب والرسوم الجمركية: رأسمالية قومية أم إعادة إنتاج للهيمنة الطبقية؟ قراءة ماركسية في سياسات الحماية الاقتصادية!

نشرت في

أخباركم – أخبارنا / ✍️ مسعود محمد – كاتب وباحث سياسي

ما لا تقوله شعارات “أميركا أولًا”

حين أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على واردات من عشرات الدول، بدا الأمر كما لو أنه قرار سيادي يهدف إلى حماية الاقتصاد الأميركي. لكن قراءة نقدية لسياسات ترامب من منظور ماركسي تكشف لنا أن ما جرى لم يكن ثورة وطنية اقتصادية، بل كان إعادة إنتاج مُقنّعة لعلاقات السيطرة الرأسمالية العالمية، وحمايةً لمصالح الرأسمال الصناعي الأميركي على حساب الفئات العاملة.

الرسوم الجمركية لم تكن ضرائب على الشعب الأميركي مباشرة، لكنها – في جوهرها – نقلت الكلفة إلى الداخل من خلال ارتفاع الأسعار والتضخم، فيما ارتفعت أرباح الشركات المحمية.

فكيف نقرأ الموضوع من خلال المفكرون الماركسيون والعرب والغربيون؟ وماذا تعني في سياق الرأسمالية العالمية؟

ماركس وإنجلز: الدولة أداة طبقية… والرسوم لحماية الأرباح

يرى ماركس أن أي سياسة اقتصادية، بما فيها الرسوم الجمركية، ينبغي قراءتها على أنها وسيلة لتثبيت السيطرة الطبقية.

ويرى ماركس أن الدولة الحديثة ليست حيادية، بل هي أداة في يد الطبقة البرجوازية، كما جاء صريحًا في البيان الشيوعي (1848)، حين وصف الدولة بأنها ‘لجنة لإدارة شؤون البرجوازية’، مما يعني أن السياسات الاقتصادية، كفرض الرسوم الجمركية، يجب أن تُفهم في سياق خدمة مصالح الطبقة المسيطرة.”

جوهر رؤية ماركس للدولة، عبّر عنها في عدة أعمال مركزية، لكن أبرز مراجع يشرح فيها وظيفة الدولة بوصفها أداة للهيمنة الطبقية هي:

كارل ماركس – “البيان الشيوعي” (The Communist Manifesto), 1848

في هذا النص الأساسي الذي كتبه ماركس مع إنجلز، يقول بشكل واضح وصريح:

“السلطة التنفيذية للدولة الحديثة ليست سوى لجنة لإدارة الشؤون المشتركة للطبقة البرجوازية بأسرها.”
(The executive of the modern state is but a committee for managing the common affairs of the whole bourgeoisie.)

The Communist Manifesto, Section I: Bourgeois and Proletarians

مراجع أخرى تكرّس هذه الفكرة:

  1. “نقد برنامج غوتا” (Critique of the Gotha Program), 1875
    يشرح فيه ماركس مراحل تطوّر الدولة، ويفرق بين الدولة البرجوازية ودولة ما بعد الثورة، ويؤكد أن الدولة في ظل الرأسمالية تخدم في النهاية علاقات الإنتاج القائمة.
  2. “رأس المال” (The Capital)
    بينما يركّز فيه على تحليل الاقتصاد، إلا أنه يشير إلى أن القوانين والسياسات الاقتصادية هي انعكاس لبنية السيطرة الرأسمالية، وأن الدولة تتدخل لحماية شروط إعادة إنتاج رأس المال، وليس لتعديلها جذريًا.

“أما إنجلز، فيرى الزيادة الجمركية ليست إلا أداة مؤقتة يستخدمها رأس المال حين يشعر بالتهديد، وتُمرر على حساب المستهلكين والعمال الذين يدفعون الثمن في نهاية المطاف”
هي صياغة تحليلية حديثة مستندة إلى مضامين فكر إنجلز، وليست اقتباسًا حرفيًا مباشرًا من نص محدد له يقول فيه ذلك بالحرف.

لكن يمكننا إسناد هذه الفكرة إلى فهم إنجلز لمسألة الضرائب الجمركية وحماية الصناعات المحلية، والتي ناقشها في سياقات متعددة، خاصة في أعماله عن التجارة الحرة والرسوم الحمائية. ومن أهم ما يمكن الرجوع إليه:

المصدر الأقرب لفكر إنجلز في هذا السياق:

1. “حول مسألة التجارة الحرة” – كارل ماركس (1848)

مع مقدمة وتعليقات إنجلز لاحقًا، حيث قال في رسائله إن التجارة الحرة، وإن كانت تبدو تقدمية، فإنها لا تحرر العامل من الاستغلال، بل تحرر رأس المال من القيود الجمركية ليتوسّع بلا حدود.

2. رسائل إنجلز إلى كارل كاوتسكي وفرديناند لاسال (1870–1890):

في رسائله، تناول إنجلز سياسات الحماية التجارية وبيّن أن البرجوازية تتبناها فقط حين ترى في المنافسة خطرًا على مصالحها، ثم تتخلى عنها متى استعاد رأس المال قدرته التوسعية.

3. “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” – إنجلز (1884):

يناقش فيه إنجلز طبيعة الدولة بوصفها أداة لإدارة شؤون الطبقة الحاكمة، وهي تتدخل اقتصاديًا عندما تكون مصالح الطبقة المهيمنة مهددة، بما في ذلك من خلال الضرائب أو الرسوم أو قمع النقابات.

التفسير التحليلي المستخلص:

من هذه النصوص والرسائل يمكن استخلاص أن إنجلز يرى تدخل الدولة (ومنها فرض الرسوم الجمركية) ليس لأهداف إنسانية أو وطنية، بل كدفاع عن مصالح رأس المال. وعندما يُفرض رسم جمركي، فإن كلفته لا يتحملها الرأسمالي بل تُنقل إلى المستهلك، أي العامل والطبقات الشعبية.

مهدي عامل: الدولة في خندق رأس المال

عند إدراج مهدي عامل في تحليلنا، نحن لا نقول إنه كتب عن ترامب أو سياسات الحماية التجارية بشكل مباشر، بل نستخدم مقولاته وتحليلاته البنيوية العامة كنموذج فكري يمكن أن نُسقِط عليه ما يجري اليوم، تماماً كما نفعل مع ماركس أو إنجلز أو حتى ابن خلدون أحيانًا.

الأساس الذي نعتمد عليه من فكر مهدي عامل :

  • في كتابه “مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني”، ناقش مهدي عامل فكرة أن الدولة البرجوازية في البلدان التابعة ليست حيادية، بل تُعيد إنتاج التبعية من خلال العلاقة مع المركز الإمبريالي، وتخدم مصالح الرأسمال المحلي المرتبط بالمصالح الخارجية.
  • في كتابه “في الدولة الطائفية”، يؤكد أن الدولة لا تمثل المجتمع ككل، بل تمثل إعادة إنتاج للهيمنة الطبقية والطائفية في آن واحد.
  • مهدي عامل شدد على أن الرأسمالية لا تعمل داخل حدود قومية خالصة، بل عبر منظومة علاقات دولية، وهي تتحكم بدور الدولة من خلال ترابطها البنيوي مع النظام الرأسمالي العالمي.

إذًا، كيف نستخدم مهدي عامل في تحليلنا؟

نقول إننا نستخدم منهجه التحليلي لفهم وظيفة الدولة الأميركية في زمن ترامب، لا لأن مهدي عامل تحدث عن ترامب، بل لأن أدواته النظرية تسمح لنا بفهم الطبيعة الطبقية والتابعة للعلاقات الاقتصادية الدولية.

وباستلهام تحليل مهدي عامل حول طبيعة الدولة في المحيط التابع، يمكن فهم أن الرسوم الجمركية ليست خروجا عن الرأسمالية بل وسيلة لإعادة إنتاج موقع المركز في مواجهة الأطراف الصاعدة كالصين. فكما أشار عامل، الدولة في النظام الرأسمالي تخضع لمنطق السيطرة الطبقية حتى حين تدّعي السيادة.

سمير أمين: الردّ على اختلال التبادل العالمي

من منظور سمير أمين، فإن الرسوم هي تعبير عن أزمة في بنية التبادل غير المتكافئ. فعندما تبدأ أطراف مثل الصين باختراق أسواق المركز، تلجأ الرأسمالية المركزية إلى أدوات قديمة – كالرسوم – لحماية موقعها، متذرعةً بسيادة الدولة، لكنها في الواقع تدافع عن امتيازات تاريخية غير عادلة.

جلبير الأشقر: الشعبوية كوظيفة لتمويه النيوليبرالية

يعتبر الأشقر أن ترامب يمارس نيوليبرالية مقنّعة بخطاب قومي شعبوي. فهو يخاطب الغضب الشعبي بخطاب معادٍ للمهاجرين والصين، لكنه فعليًا يمنح إعفاءات ضريبية للأغنياء ويستمر في تمويل الاحتكارات الكبرى. الرسوم في هذا السياق ليست سوى قناع لأزمة بنيوية أعمق في النظام الاقتصادي الأميركي.

صادق جلال العظم: بناء العدو لتبرير الاستثناء

العظم، رغم اشتغاله على الفكر الديني، قدّم تصورًا مهمًا عن صناعة العدو. وترامب، في خطابه ضد الصين، يصنع عدوًا خارجيًا لإخفاء الأزمة الداخلية، وليبرّر سياسات اقتصادية تمسّ الطبقات الفقيرة في الداخل الأميركي.

و بالطبع. صادق جلال العظم لم يكتب كتابًا مستقلاً بعنوان “صناعة العدو”، لكنه عالج مفهوم العدو في أكثر من موضع من كتبه، خاصة في:

  • “ذهنية التحريم” (1992)
  • “نقد الفكر الديني” (1969)
  • ومقالات لاحقة في الصحافة الفكرية والسياسية

اذا ماذا نستخلص من فكر العظم عن “صناعة العدو”:

يرى صادق جلال العظم أن الأنظمة السلطوية أو الخطابات الأيديولوجية المغلقة تحتاج دائمًا إلى “عدو” خارجي أو داخلي لتبرير القمع أو تأجيل الإصلاح.
هذا “العدو” يُصنع ويُشيطن في الذهن الجماعي، لا بوصفه تهديدًا حقيقيًا، بل كأداة لإبقاء الهيمنة والاستثناء القانوني والسياسي قائمًا.
وفي “ذهنية التحريم”، ربط العظم بين بناء العدو والتحكم بالوعي الجماهيري، معتبرًا أن السلطة تحوّل الاختلاف إلى تهديد، والنقد إلى خيانة.
هكذا يُصاغ خطاب المواجهة مع “العدو” لخدمة الاستقرار الزائف، وتبرير سياسات داخلية قمعية.
العظم يرى أن الخطر لا يكمن في العدو الخارجي، بل في الخطاب الذي يخلق العدو ليتحاشى مواجهة الأسئلة الحقيقية.

ديفيد هارفي: مرونة الرأسمالية في إدارة أزماتها

ديفيد هارفي يرى أن الرسوم الجمركية لا تعني نهاية النيوليبرالية بل هي جزء من آليات إعادة إنتاجها. فحين تفشل الأسواق، تعود الدولة للواجهة لا لإنقاذ الفقراء بل لإنقاذ النظام من انفجاره الذاتي.

نانسي فريزر: التحالف الهش بين رأس المال والشعبوية

فريزر تصف هذه الظاهرة بـ”الشعبوية النيوليبرالية”، حيث تُستخدم أدوات الدولة – كالرسوم – لتهدئة الطبقات الدنيا، لكن من دون المساس بالبنية العميقة للسلطة الاقتصادية. كما شرحت في مقالتها The End of Progressive Neoliberalism (2017)، ووسّعتها في كتابها The Old is Dying and the New Cannot Be Born (2019). وتوضح كيف تُستخدم أدوات الدولة، كالرسم الجمركي، لتسكين الغضب الشعبي من دون المساس بجوهر السلطة الرأسمالية النيوليبرالية.”

مضمون الفكرة:

فريزر تصف صعود ترامب بأنه مثال على “شعبوية نيوليبرالية”، وهو تحالف هشّ بين النخب الاقتصادية النيوليبرالية التي تسعى لحماية مصالحها، وبين قطاعات من الطبقات الدنيا التي تخضع للاستمالة الثقافية أو الهوياتية (كقضايا الهجرة، أو “أميركا أولاً”).

تقول إن هذه الشعبوية:

  • تستخدم أدوات الدولة (مثل الرسوم والحمائية) لتهدئة الغضب الشعبي.
  • لكنها لا تمسّ البنية العميقة للسلطة الاقتصادية، ولا تقترب من السيطرة المالية أو الثروة المتركزة.
  • هي شكل من الاستثمار في الغضب الشعبي من دون تقديم حلول جذرية.

اقتباس توثيقي مباشر من المقال (Dissent, 2017):

“Trump’s electoral success reflects not a working-class rebellion against neoliberalism per se, but rather a reaction against its progressive variant — an alliance of mainstream liberalism with elite feminism, anti-racism, and multiculturalism… This is neoliberalism dressed in populist clothing.”
(نانسي فريزر، “نهاية النيوليبرالية التقدمية”)

إيمانويل والرشتاين: إشارات اهتزاز في مركز النظام

لو كان والرشتاين بيننا لقرأ هذه السياسات ضمن تحولات النظام الرأسمالي العالمي، وكان يرى أن الحرب التجارية الأميركية هي إشارة على اهتزاز قيادة المركز العالمي، ما يُبشر بتحوّل في البنية الدولية لا بمجرد إجراء اقتصادي.

احتل موضوع انعدام المساواة بين العالم الثالث والغرب والهوة الكبيرة التي تفصل بينهما قسمًا كبيرًا من أعماله. وقال إن السبيل الوحيد لتصحيح الوضع هو تغيير معادلة النظام العالمي لكيفية تقسيم العمل وتوزيع الأرباح. وبحسب إيمانويل والرشتاين لا يمكننا النظر إلى الرأسمالية باعتبارها أنظمة اقتصادية متعددة، بل هي هيكل واحد يؤطر النظام العالمي الحديث كله. لا جدوى إذن من دراسة أنظمة اقتصادية محددة لفهم التغيرات السياسية والاجتماعية. ما نحتاجه هو وحدة تحليل ترفض الاعتراف بالحدود المرسومة للمجتمعات.

إن العدة النظرية الأفضل من وجهة نظره، هي النظر إلى التغيرات الاجتماعية في سياق التفريق بين المركز (شمال أوروبا، أمريكا الشمالية، أستراليا) والأطراف، باعتبار المركز هو المحرك الذي يسير النظام الرأسمالي العالمي. وفي سياق هذا التحليل تظهر لدينا أربع فئات مختلفة هي المركز وأشباه الأطراف والأطراف والأقاليم الخارجية. يساعدنا هذا التقسيم على فهم الوحدات السياسية في العالم وفهم كيفية تقسيم العمل والثروة. يتمتع المركز برؤوس الأموال والمهارات المتخصصة، في حين تقدم الأطراف العمالة الكثيفة والرخيصة وغير المدربة والمواد الخام.

تجاوزت الرأسمالية في مسيرتها الحدود القومية ولم تفرض إنشاء امبراطورية سياسية بالمعنى التقليدي للكلمة. فبحسب إيمانويل والرشتاين تمكنت الرأسمالية باعتمادها على التقنيات الاقتصادية والتكنولوجيا العلمية الحديثة من خلق نظام اقتصادي عالمي متوسع دون الحاجة لظهور بنية سياسية موحدة تجاريه. لذا فإن دراسة المجتمعات كوحدات سياسية منفصلة يغفل هذا النظام العالمي وتأثيراته الاجتماعية على مختلف المجتمعات الإنسانية.

نعوم تشومسكي: عندما تصبح السياسة دعاية

تشومسكي يشدد على أن ترامب استخدم الرسوم ضمن آلة دعائية سياسية، لا كجزء من رؤية اقتصادية حقيقية. فقد قدّم نفسه كمدافع عن العمال، لكنه أعاد توزيع الثروة نحو الأعلى، وأجهض مطالب النقابات العمالية. ويرى نعوم تشومسكي، في كتاب Requiem for the American Dream (2017) ومقابلته مع Jacobin Magazine، أن ترامب استخدم السياسات الاقتصادية كأدوات دعائية لتضليل الرأي العام، وأن الرسوم الجمركية ليست جزءًا من رؤية اقتصادية، بل وسيلة دعائية لإيهام الطبقة العاملة بالدفاع عنها، بينما كان يعيد توزيع الثروة نحو الأعلى ويُقصي الحركات النقابية من الحياة السياسية.

المصادر التي تناول فيها تشومسكي ذلك بشكل مباشر:

1. كتاب:

“Requiem for the American Dream: The 10 Principles of Concentration of Wealth & Power”
(تشومسكي، 2017 – مع فيلم وثائقي بنفس العنوان)
في هذا العمل، يشرح تشومسكي كيف تُستخدم السياسات الاقتصادية، ومنها الضرائب والرسوم، كوسائل دعائية لإقناع الجمهور بأن النظام يعمل لصالحهم، بينما هو في الواقع يعيد توزيع الثروة نحو الأعلى.

❝ The goal is to keep the public in a state of confusion. You run elections as marketing extravaganzas. You want to divert their attention away from the real decisions being made. ❞
Requiem for the American Dream

2. مقابلة نُشرت في “Jacobin Magazine”:

Interview: “Trump in the White House”Jacobin, January 2017
فيها يقول تشومسكي صراحة إن ترامب يستخدم خطاب دعم الطبقة العاملة كـ”خدعة أيديولوجية”، ويصف سياساته بأنها لا تمتلك أي رؤية اقتصادية ممنهجة، بل تهدف إلى تعزيز مصالح الأثرياء، فيما الخطاب الموجّه للجماهير يستخدم اللغة الشعبوية المعادية للنخب فقط من حيث الشكل.

❝ Trump is just the front man, the showman, for the interests of extreme wealth and corporate power. ❞
Jacobin Interview, 2017

3. كتاب:

“Who Rules the World?” (Noam Chomsky, 2016)
في هذا الكتاب، يسلط تشومسكي الضوء على كيف تعمل السياسة الخارجية والداخلية الأميركية ككل كأدوات لإعادة تركيز السلطة الاقتصادية. ويشير إلى أن ترامب، مثله مثل من سبقوه، لا يهدد مصالح الرأسمال، بل يحميها رغم شعاراته.

تلخيص تحليلي لما قاله تشومسكي:

  • ترامب استغل حالة الغضب الشعبي من النيوليبرالية والركود الصناعي، ليوهم الناس بأنه يحارب من أجلهم.
  • لكنه في الواقع:
    • خفض الضرائب على الأغنياء (قانون الضرائب 2017).
    • هاجم النقابات العمالية وسهّل فصل الموظفين.
    • أجهض حماية البيئة والصحة العامة لمصلحة الشركات الكبرى.
    • واستخدم الرسوم الجمركية كأداة خطابية انتخابية أكثر من كونها سياسة اقتصادية مستدامة.

أنطونيو غرامشي: الهيمنة الثقافية وأوهام “الوعي القومي”

في كتاباته من داخل السجن، وضع غرامشي تصورًا عميقًا عن كيف تمارس الطبقة الحاكمة سلطتها، ليس فقط عبر القمع، بل من خلال فرض رؤيتها للعالم بوصفها “الطبيعية” و”المنطقية”.
سياسات ترامب، في ضوء غرامشي، هي ممارسة للهيمنة الثقافية، حيث تُقدّم أدوات السيطرة الاقتصادية – مثل الرسوم – على أنها استجابة وطنية لمصلحة الشعب، بينما هي في الواقع تمويه للأزمة البنيوية داخل الرأسمالية.

الخطاب القومي لترامب (“أميركا أولاً”) هو بحسب غرامشي “تحويل للوعي الشعبي إلى وعي زائف”، يجري فيه دمج مصالح الطبقات الشعبية ضمن مشروع طبقي سلطوي، دون أن تكون لتلك الطبقات مصلحة حقيقية فيه.

“الهيمنة لا تكون بالسلاح فقط، بل حين تجعل الآخر يقتنع بأن مصالحك هي مصالحه.” – أنطونيو غرامشي

ابن خلدون وقرار ترامب: التفسير من خلال “الدولة والعمران والاقتصاد”

رغم أن ابن خلدون (1332–1406) عاش قبل قرون من ظهور الرأسمالية الحديثة، فإن نظريته في العصبية والدولة والاقتصاد السياسي لا تزال صالحة للاستلهام في تحليل القرارات السياسية والاقتصادية، حتى في عصر العولمة.

لنفترض أن ابن خلدون كان معنا اليوم، وطلبنا منه أن يفسّر خطوة دونالد ترامب بفرض الرسوم الجمركية ضمن “حربه الاقتصادية”، كيف كان سيرى ذلك؟

1. الحكم يدور مع العصبية والمصلحة

ابن خلدون يرى أن الدولة تُدار بموجب العصبية والمصلحة، لا بالمثل العليا أو العدالة المجردة. ولو نظر إلى ترامب، لرآه يستخدم “عصبية قومية بيضاء اقتصادية” لاستعادة نفوذ أميركا المنكسر أمام قوى العولمة.

“الدولة لا تقوم إلا بالعصبية، والعصبية لا تكون إلا لمصلحة.”

قرار ترامب بفرض الرسوم على الصين وأوروبا لا يهدف إلى العدالة الاقتصادية، بل إلى ترميم مركز القوة الأميركي المتآكل، وربما لتجديد “العصبية القومية” التي فقدت زخمها بفعل الانفتاح والعولمة.

2. الترف والدورة الاقتصادية للدولة

في “المقدمة”، يشرح ابن خلدون كيف أن الدول تمر بمراحل: من القوة إلى الاستقرار إلى الترف ثم الانهيار. ويرى أن الترف يُضعف الدولة ويجعلها عرضة للاجتياح أو الفوضى.

“إذا بلغ الترف غايته، انقلب إلى فساد في الأخلاق، وضعف في الدولة.”

ترامب يدرك أن أميركا وصلت إلى مرحلة من “الترف الاقتصادي الرأسمالي”، فأراد ردّ الدولة إلى بداياتها الصناعية “المقاتلة” عبر سياسات حمائية، لكنه يفعل ذلك ليس من أجل الجماهير، بل لإنقاذ نخبة رأس المال من الانهيار البنيوي.

3. الجباية والضغط على الرعية

ابن خلدون حذّر من أن زيادة الجباية تؤدي إلى تدمير العمران. فإذا زادت الضرائب أو الرسوم على الناس، قلّ الإنتاج، وانهارت التجارة.

“إذا كثرت الجباية ضعُف النشاط، وهلك العمران، وخربت الأسواق.”

ومع أن ترامب فرض الرسوم على السلع الأجنبية، فإن كلفتها انعكست على الشعب الأميركي، كما في المثل الخلدوني: “الضغط على السوق يؤدي إلى فساد في العمران”.

4. العدو الخارجي لتوحيد الداخل

يرى ابن خلدون أن السلطة تستفيد من وجود “عدو خارجي” لتوحيد العصبية في الداخل. وبذلك يفسّر قرار ترامب بشيطنة الصين، ليس فقط لأسباب اقتصادية، بل لخلق إجماع داخلي حول سلطته المتراجعة.

“إنما فعل ذلك ليجدد عصبية قومه، بعدما وهن سلطانهم من طول الترف، فخشي على ملكه، وردّ الدولة إلى بداياتها. لكنه إذ فرض الرسوم، لم يدرِ أنها ستؤدي إلى خنق العمران، لأنه جعل من السوق سلاحًا في صراعه، لا غاية في عمار البلاد.”

الرأسمالية لا تتغيّر، فقط تغيّر خطابها

سياسات ترامب الجمركية لا تمثل خروجًا عن الرأسمالية، بل تكتيكًا ضمنها. الرسوم لم تكن سوى أداة لحماية الأرباح تحت راية “الوطن”، ولتأجيل مواجهة التناقضات التي تنخر في قلب النظام.

وكما قال ماركس:

“الحرية في ظل الرأسمالية هي حرية القوي في سحق الضعيف.”

“و لو كان ابن خلدون بيننا، أعتقد انه لقرأ قرارات ترامب الجمركية كحركة من حركات السلطان في وجه الترف، والبحث عن عدو خارجي لتجديد العصبية، لا لإنقاذ الاقتصاد من حقيقته.”

هويات المفكرين الذين تم استخدامهم في البحث والتحليل:

  • كارل ماركس (1818–1883): فيلسوف واقتصادي ألماني، مؤسس النظرية الماركسية.
  • فريدريك إنجلز (1820–1895): مفكر ألماني، شريك ماركس في كتابة “البيان الشيوعي”.
  • مهدي عامل (1936–1987): مفكر ماركسي لبناني، حلل البنية الكولونيالية للرأسمالية في الأطراف.
  • سمير أمين (1931–2018): اقتصادي مصري، واضع نظرية “المركز والأطراف” ومفهوم التبادل غير المتكافئ.
  • جلبير الأشقر (1951–): مفكر لبناني، باحث في قضايا الحركات الشعبية والاقتصاد السياسي.
  • صادق جلال العظم (1934–2016): مفكر سوري، معروف بنقده للفكر الديني والسياسي.
  • ديفيد هارفي (1935–): جغرافي ومفكر ماركسي بريطاني، مختص بتحليل النيوليبرالية الحضرية.
  • نانسي فريزر (1947–): فيلسوفة نسوية وناقدة للرأسمالية النيوليبرالية.
  • إيمانويل والرشتاين (1930–2019): عالم اجتماع أميركي، مؤسس نظرية “النظام العالمي”.
  • نعوم تشومسكي (1928–): لغوي ومفكر سياسي أميركي، ناقد للسياسات الإمبريالية الأميركية.
  • أنطونيو غرامشي (1891–1937): مفكر ماركسي إيطالي، مؤسس مفهوم “الهيمنة الثقافية”، كتب أبرز أعماله في السجن، وساهم في تطوير تحليل ماركسي لدور الثقافة والأيديولوجيا في الحفاظ على السلطة.
  • عبد الرحمن بن خلدون (1332–1406): مؤرخ وفيلسوف اجتماعي عربي، يُعدّ من مؤسسي علم الاجتماع السياسي، وصاحب “المقدمة” الشهيرة التي أسّس فيها نظريته عن الدولة والعمران والاقتصاد. رأى أن الدولة تمر بدورة حياة تبدأ بالعصبية وتنتهي بالترف والانهيار، وربط بين السلطة والاقتصاد والوعي الاجتماعي، ما يجعل تحليلاته صالحة لفهم ديناميات السلطة حتى في السياقات المعاصرة.

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

أورتاغوس لجنبلاط: المخدرات مضرّة وليد

أخباركم ـ أخبارنا علّقت نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، على...

المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى: للالتزام بالبيان الوزاري والإسراع في تنفيذ بنوده!

أخباركم ـ أخبارنا رأى المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في بيان بعد اجتماعه الدوري برئاسة...

رسالة من حزب الله للعماد جوزاف عون!

أخباركم - أخبارنا حزب الله المنخرط بالصوت العالي بتنفيذ مصالح ايران اثناء تفاوضها مع...

حزب الله أمام خيار واحد: إما الدولة أو الفوضى .. صفا: لا شي اسمه نزع السلاح و قيومجيان يرد .. السفير الايراني والمبعوثة الاميركية...

أخباركم - أخبارنا/ تقرير لبنان السياسي قاسم..صفا…. قماطي…. تجاوزتم الحدود وتعديتم على ما هو أعظم...

More like this

تقنياً: إيران قادرة على إنتاج 6 قنابل نووية… وإسرائيل تتأهب لمنعها بينما تبدأ جولة ثانية من المحادثات مع واشنطن في روما!

أخباركم - أخبارنا/ مسعود محمد بدأت إيران والولايات المتحدة الجولة الثانية من المحادثات النووية في...

لن تقتلونا مرتين: إعادة فتح ملف لقمان سليم وملفات الاغتيال التي صيغت قراراتها بين الضاحية ودمشق وطهران!

أخباركم - أخبارنا/ بقلم: مسعود محمد أعادت محكمة التمييز فتح ملف اغتيال الكاتب والناشط...