أخباركم – أخبارنا/ حسين قاسم
حوار مع صديق بلجيكي يهتم بالوضع السياسي في فلسطين والشرق الأوسط، ومختص في علوم الرياضيات والبرمجيات.
كان الحديث بمناسبة الذكرى الخمسين للحرب الأهلية اللبنانية.
• الصديق البلجيكي: أي محطة سياسية نعتمد في مسار الحرب اللبنانية؟ حادثة بوسطة عين الرمانة أم تاريخ توقيع اتفاق القاهرة عام 1969؟ أتمنى أن تكون أجوبتك مختصرة ومباشرة.
• أنا: نعتمد مرة واحدة هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران 1967.
• الصديق البلجيكي: ماذا كان هدف حرب حزيران؟
• أنا: تحرير فلسطين.
• الصديق البلجيكي: لكن الذي حصل هو أن إسرائيل حررت ثلاث مناطق هامة جداً: قطاع غزة، الضفة الغربية، والجولان، وقامت باحتلالها.
• الصديق البلجيكي: ما هي التداعيات الأولى؟
• أنا: ضمور وهج الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وتقدم القضية الفلسطينية ورمزها ياسر عرفات. ونتيجة لذلك، انتقل النشاط الفلسطيني إلى لبنان بتغطية وتشجيع عبد الناصر. هذا كان سيحصل سواء تم عقد اتفاق القاهرة أم لا.
• الصديق البلجيكي: أليس من الأجدى أن يبقى النشاط الفلسطيني في مصر وسوريا بدل انتقاله إلى لبنان؟ لا سيما أن في مصر وسوريا نظامين يساريين حسب تعبيركم، بينما يحكم لبنان نظام رجعي موالٍ للغرب الرأسمالي؟
• أنا: الأنظمة في مصر وسوريا أخذت على عاتقها الاستعداد لتحرير الأرض، وأوكلت إلى المقاومة الفلسطينية جبهة إضافية ارتُئي أن تكون جبهة لبنان بعد فشل جبهة الأردن.
• الصديق البلجيكي: لكن مصر وسوريا اختارتا الساحات الضعيفة. أين شعار تحرير فلسطين في حرب تشرين 1973؟
• أنا: سقط.
• الصديق البلجيكي: إذاً لماذا حصلت حرب حزيران؟
• أنا: هذا يتطلب مداخلة طويلة. دعنا نبقى في لبنان.
• الصديق البلجيكي: لو كان في لبنان نظام قوي، أي دولة قوية، هل كان العنصر الفلسطيني سيتمكن من الدخول إلى لبنان وجعل منه ساحة يلعب فيها كما يحلو له ويستجلب لها مع الوقت العديد من القوى الدولية المختلفة؟
• أنا: الخلل يكمن في النظام الطائفي المشوه والمولِّد الدائم للأزمات، مع رفض الطبقة السياسية الحاكمة للإصلاحات.
• الصديق البلجيكي: هذا كلام سطحي. المسألة هي النقص الفاضح في الانتماء الوطني اللبناني؛ بحيث يطغى على المواطن اللبناني الانتماء الطائفي والتبعية للخارج على الانتماء للقضية الوطنية اللبنانية. وأنتم لستم وحدكم في تلك المعاناة؛ ففي بلجيكا أيضاً هناك نقص في الانتماء الوطني بسبب حداثة تأسيس الوطن البلجيكي. لكن الدولة ليست مجرد مؤسسات أو هياكل أو قوات مسلحة وأجهزة أمنية؛ الدولة هي التي تتمتع بخلفية وطنية عميقة تمنح لمؤسساتها القوة لتصمد بمختلف الظروف. عندكم في الشرق دولة واحدة لها وطنية متجذرة وهي مصر، التي يعود عمرها لآلاف السنين وقد صمدت بمختلف الأزمات. لاحظ الفرق بين ما حلَّ بمصر وما حصل في سوريا وليبيا والسودان خلال الربيع العربي. كذلك بعد انتهاء الحرب الباردة سقط الاتحاد السوفييتي وبقيت روسيا لأن الانتماء الوطني الروسي كان أعمق وأقوى من الانتماء العقائدي.
وأضاف صديقي البلجيكي: إن تشعب الصراعات في لبنان أخذ أشكالاً متعددة واختلفت الشعارات خدمة للمصالح الصغيرة للمتصارعين. لكن أن تأخذ تلك الشعارات أشكال الحروب فهذا سببه غياب مركزية الدولة وعمقها الوطني، وهو أمر غير متوفر بالمدى المنظور.
ثم قال إنه لديه العديد من الأسئلة التي سيطرحها لاحقاً:
1. هل تعتقد أن المقاومة المسيحية هي التي أخرجت العنصر الفلسطيني من لبنان أم إسرائيل؟
2. هل تعتقد أن المقاومة الإسلامية هي التي أخرجت إسرائيل من لبنان أم أن إسرائيل طردت عدوها اللدود منظمة التحرير الفلسطينية وأكملت مهمة إفراغ لبنان من مقوماته كي لا يعود ساحة تهدد أمنها؟ وعن دور المقاومة الوطنية اللبنانية؟
فلم اسمع بها سوى منك، وإذا كان صحيحاً ما تنسبه أنت لدورها البارز في التحرير فذلك يعود لدعم الاتحاد السوفييتي.
3. هل تعتقد أن اللبنانيين هم الذين أخرجوا النظام السوري من لبنان أم الاتفاق الفرنسي الأميركي الذي تبلور بالقرار الدولي رقم 1559؟
4. من الذي هزم الدور الإيراني في لبنان خلال حرب الإسناد الأخيرة؟ القوى اللبنانية السيادية أم إسرائيل المدعومة من أميركا؟
5. هل تعتقد أن القوى الإسلامية السورية هي التي أسقطت نظام الرئيس السوري بشار الأسد أم القوى الدولية المختلفة والمتداخلة بالوضع السوري؟ وهل الوطنية السورية كانت كافية لحماية الكيان السوري الحديث الذي نشأ بفعل اتفاقية سايكس بيكو؟
ثم ختم قائلاً: مهما كانت نهاية الصراع الراهن في لبنان، فهو يبقى كياناً في مهب الريح. وأضاف أن اختيار لبنان للحياد خلال النصف الثاني من القرن الماضي كان بسبب مناخ الحرب الباردة، أما اليوم فقد تغيرت الظروف دولياً وإقليمياً ولم يعد قادراً على مواجهتها.