بيروت | أخباركم – أخبارنا
في مداخلة تلفزيونية عبر قناة “الجديد”، أثار الصحافي حسين أيوب عاصفة سياسية بعدما اتهم حزب القوات اللبنانية بالسعي لخوض معركة عسكرية ضد “حزب الله” بـ”عضلات إسرائيل”، في إشارة إلى تواطؤ مزعوم بين الحزب المسيحي الأبرز في لبنان والعدو الإسرائيلي.
هذا الكلام الذي وصفه مراقبون بأنه “خطاب تخويني بالغ الخطورة”، يُعيدنا إلى أدبيات الحرب الأهلية، حين كانت تُستخدم تهمة التعامل مع الخارج سيفًا لتصفية الخصوم سياسيًا وشعبيًا، ويفتح الباب على أزمة السلاح التي تغذي النزاع الأهلي وتشلّ مؤسسات الدولة.
محاولة للهروب من لبّ الأزمة: سلاح “حزب الله”
في خلفية هذه التصريحات، يُجمع محللون أن الهدف الأساسي من هذا النوع من الخطاب ليس التصويب على “القوات” بقدر ما هو محاولة للهروب من أصل النقاش: سلاح حزب الله، الذي بات أزمة بنيوية تمسّ السيادة الوطنية، وتعطل أي إمكانية لبناء الدولة اللبنانية على أسس المواطنة والدستور.
ففي وقت يتحدث فيه اللبنانيون عن إنهاء الدور الأمني والعسكري لحزب الله، ويطالبون بتطبيق القرارات الدولية (1701، 1559) ونزع سلاح كل التنظيمات خارج الشرعية، تُطلق تصريحات من هذا النوع لإشغال الرأي العام بصراعات جانبية وتغطية على الواقع المأزوم الذي أنتجه سلاح الحزب، بما فيه:
- التحكم بالقرار الوطني السيادي.
- الزج بلبنان في حروب إقليمية لا قرار له فيها.
- تقييد السياسة الخارجية وفقاً لمحور الممانعة.
- إلغاء التعدد السياسي ومعادلة التوازن الديمقراطي.
الوزير شحادة ينفي: لم أطلب من أورتاغوس شيئاً
الوزير السابق كمال شحادة، الذي ورد اسمه في سياق اتهامات أيوب، نفى بشكل قاطع الادعاء بأنّه طلب من المتحدثة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس دعمًا لاستكمال إسرائيل الحرب ضد لبنان.
بين اتهام “القوات” والتعامي عن سلاح الحزب: أزمة أولويات وطنية
وفي وقت صمت فيه حزب “القوات اللبنانية” عن الرد المباشر، قالت مصادر سياسية قريبة من المعارضة إن ما جرى ليس سوى محاولة لتوجيه الرأي العام بعيداً عن أصل المعركة السياسية الجارية، وهي معركة استعادة الدولة من قبضة السلاح غير الشرعي، وإعادة الاعتبار لمفهوم الشرعية والدستور.
وأكدت المصادر أن “القوات اللبنانية” لم تنخرط يومًا في أي حلف خارجي مسلح ضد اللبنانيين، وأنها في طليعة القوى التي تدعو إلى نزع سلاح “حزب الله” سلمياً، ودمجه في المؤسسات الشرعية، وفرض احتكار الدولة للسلاح والقرار الدفاعي.
أزمة “السلاح” لا تُحل بالتخوين بل بالحوار والدستور
إن جوهر المأزق اللبناني اليوم، لم يعد فقط سياسيًا أو اقتصاديًا، بل بات أزمة وجودية ترتبط ببقاء الدولة كإطار جامع للمواطنة. فالسلاح الذي يمتلكه “حزب الله” ليس فقط عنصر تفوق عسكري، بل هو أداة تحكم كامل بالحياة السياسية، يفرض المعادلات، ويمنع التغيير، ويُقصي من يشاء ويُحابي من يشاء.
ولن تُحل هذه الأزمة بتبادل التهم أو عبر تصوير كل صوت معارض على أنه عميل، بل من خلال:
- الاعتراف بأن لا سيادة مع وجود سلاح خارج الدولة.
- فتح حوار وطني جدي برعاية دولية حول استراتيجية دفاعية واضحة.
- ربط كل السلاح الشرعي بالقرار السياسي والعسكري للدولة فقط.
تصريحات حسين أيوب ليست زلة لسان عابرة. إنها كلام موصوف لخدمة مشروع يتقاطع مع بقاء السلاح، وتأبيد السيطرة الأمنية على الحياة العامة. لكنها أيضًا دليل على ضيق أفق الخطاب المدافع عن “حزب الله”، بعد أن بات غير قادر على تقديم تبرير عقلاني أو قانوني لاستمرار الإمساك بالدولة، وسط انهيار شامل وشلل مطبق في مؤسسات الحكم.
وبينما يُستخدم التخوين كسلاح لإسكات المعارضين، تبقى الحقيقة الوحيدة أن لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نزع فتيل الانفجار، من خلال نزع السلاح غير الشرعي، وإعادة بناء الدولة التي تحمي الجميع، لا دويلة تُخيف الجميع.
