أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
في مشهد سياسي مثقل بالتناقضات والمراهنات المتضاربة، يقوم رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام بزيارة رسمية إلى دمشق اليوم، حاملاً في جعبته ثلاث ملفات بالغة الحساسية: عودة اللاجئين السوريين، ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، وترسيم الحدود اللبنانية–السورية.
لكن ما يُضفي على الزيارة طابعها المعقد ليس فقط تشابك هذه الملفات، بل التوقيت الإقليمي والدولي الذي تجري فيه، حيث لا تزال سوريا تحت عقوبات غربية خانقة، ولبنان يرزح تحت ضغط الانهيار الاقتصادي والتوترات الداخلية، فيما المنطقة تعيش على وقع تحولات جذرية تشرف عليها الرياض وواشنطن وطهران في آن واحد.
1. اللاجئون السوريون: “حلم إبليس بالجنة”؟
الملف الأكثر حساسية في الزيارة يتمثل بمحاولة “فتح نافذة” لإعادة 400 ألف لاجئ سوري من لبنان إلى الداخل السوري. ورغم أن هذا الطرح يُعاد تداوله بشكل موسمي في الخطاب السياسي اللبناني، فإن الواقع الدولي ينسفه من أساسه. إذ تصرّ الأمم المتحدة والدول الأوروبية على أن العودة الآمنة لم تتوفر بعد، وترفض تمويل أي خطة لا تضمن معايير الحماية، بينما يستثمر النظام السوري هذا الملف كـ”ورقة ضغط” ومساومة سياسية واقتصادية، وليس كملف إنساني.
بالتالي، فإن الحديث عن عودة بهذا الحجم يبدو أشبه بـ”حلم إبليس بالجنة”، وسط استمرار القصف في شمال سوريا، وملاحقة العائدين من قبل أجهزة الأمن، وغياب أي خطة اقتصادية في دمشق لاحتوائهم. وفي المقابل، يتعرض لبنان لضغوط داخلية متزايدة تطالب بـ”الحسم” في هذا الملف، وهو ما يعيد طرح السؤال حول وظيفة الزيارة: هل هي جدية، أم مجرد خطوة تكتيكية لامتصاص الغضب الشعبي؟
2. المفقودون في سوريا: دفن الحقيقة؟
الملف الثاني الذي يُتوقع أن يُطرح خلال اللقاءات هو ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، وهو جرح لم يندمل منذ أكثر من ثلاثة عقود.
تشير بعض التسريبات إلى أن دمشق قد تعرض على بيروت “حلًا نهائيًا” عبر إعلان عدد كبير من المفقودين شهداء، ما يعني دفن الملف نهائيًا دون كشف الحقيقة الكاملة، ودون محاسبة. هذا الطرح، إن تم، سيكون بمثابة صفقة سياسية على حساب العدالة وحقوق العائلات، ويشكّل اختبارًا خطيرًا لنواف سلام، المعروف بمواقفه الحقوقية.
3. ترسيم الحدود: برعاية سعودية هذه المرة
أما الملف الثالث – وربما الأهم حاليًا – فهو ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا، وهو ملف شديد الحساسية يرتبط بأمن الحدود، والتهريب، وشرعية المقاومة، والنفوذ الإيراني في البقاع والهرمل.
لكن ما يميّز هذا المسار اليوم هو دخوله في الرعاية السعودية المباشرة، استكمالًا لاجتماعات وزيري الدفاع في المملكة، والتي تعمل الرياض من خلالها على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وترسيخ نوع من الاستقرار الحدودي يتيح مشاريع إعادة الإعمار لاحقًا. وقد يكون هذا المسار هو المدخل الوحيد الواقعي الذي تراهن عليه الرياض وواشنطن لتحقيق اختراق ملموس.
زيارة نواف سلام إلى دمشق ليست زيارة مجاملة، بل اختبار لخيارات لبنان في أكثر الملفات حساسية: ملف اللاجئين الذي تحوّل إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة، وملف المفقودين الذي يهدد الذاكرة الوطنية، والحدود التي ترسم مستقبل السيادة وأدوار القوى الكبرى. لكن الخطر كل الخطر، أن تُختزل هذه الملفات العميقة في صور لقاءات ومصافحات، بلا نتائج ملموسة، وبلا مساءلة حقيقية عن الثمن السياسي لكل تسوية محتملة.