إعداد: مسعود محمد – “أخباركم – أخبارنا”

تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً إعلامياً وسياسياً لافتاً يستهدف رئيس الحكومة نواف سلام وفريقه، في إطار حملة يُنظر إليها على أنها تتجاوز حدود النقد السياسي المعتاد، لتصل إلى مستويات اتهامية تمس بالتاريخ الشخصي والوطني لرجل طالما عُرف بدفاعه عن القضايا الإنسانية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وفي المقابل، يتصدى عدد من المثقفين والسياسيين والإعلاميين لهذه الحملة، معتبرين إياها امتداداً لصراع أعمق بين مشروع بناء الدولة ومشاريع التفكيك الفدرالي الطائفي.

اتهامات رياشي وتوظيف صورة مغلوطة
شن الفرد رياشي امين عام المؤتمر الدائم للفيدرالية في لبنان هجوماً ضد نواف سلام، مشيراً إلى صورة قديمة قيل إنها تُظهر سلام مع ياسر عرفات، ومعتبراً أن ماضيه المرتبط بمنظمة التحرير الفلسطينية يطرح علامات استفهام على أهليته اليوم لرئاسة الحكومة. في هذا السياق، ذهب القاضي بعيداً في الربط بين انتماء سلام السابق وبين موقفه السياسي الحالي من القضايا الوطنية، وكأن الانحياز التاريخي لفلسطين بات تهمة يجب الدفاع عنها أو التبرؤ منها.

رد حارث سليمان: الدفاع عن الشرف الوطني
الكاتب والباحث السياسي حارث سليمان رد على القاضي رياشي برسالة مفتوحة، وصف فيها انحياز نواف سلام لفلسطين بـ”الشرف العظيم”، مذكّراً بأن 149 دولة في العالم اعترفت بدولة فلسطين، بينها أربع دول أوروبية، وآخرها فرنسا التي وصفها سليمان بأنها “الأم الحنون في وجدان الرياشي”. وأكد سليمان أن من “اجتمع مع مجرمي الحرب شارون وبيغن، واستقبل في المتحف أوري لوبراني، لا يحق له مساءلة قاضٍ نزيه اعترف له العالم بالكفاءة والعدالة”، في إشارة واضحة إلى ازدواجية المعايير في السجال. كما فند سليمان الصورة المتداولة، قائلاً إنها لا تُظهر نواف سلام، بل من المرجح أنها تُظهر العميد كمال مدحت، أحد مرافقي عرفات، معتبراً أن الحملة تستند إلى معلومات ملفقة لخدمة مشروع سياسي يرفض الطائف ويعمل على تقسيم لبنان.

فؤاد سلامة: معركة ضد مشروع الإصلاح المالي
الإعلامي فؤاد سلامة انضم إلى جبهة الدفاع، متهماً ما سماه “تحالف المصالح المشتركة” بقيادة قوى الممانعة واليمين المتطرف والفيدراليين و”المحافظين الجدد” بالوقوف وراء الهجوم على الحكومة ورئيسها. واعتبر أن الهدف الحقيقي ليس الماضي السياسي لنواف سلام، بل مشروع الإصلاح المالي، وعلى رأسه “رفع السرية المصرفية”، الذي تهدده هذه القوى. سلامة وصف الحملة بأنها تمهيد لإسقاط أي اتفاق محتمل مع صندوق النقد الدولي، محذّراً من أن هذه القوى توظف الشعبوية وتسترجع سرديات الحرب اللبنانية بغرض منع قيام أي دولة فعلية أو حتى بداية دولة.

ميشال سماحة: الحذر من توظيف النقد في مشاريع الصغار
السياسي ميشال سماحة تناول الحملة من زاوية مختلفة، محذّراً من أن انتقاد ماضي القوى الوطنية واليسارية يجب أن يُستخدم لبناء فهم عقلاني، لا ليُستغل من “الصغار”، في إشارة إلى من يستثمرون التاريخ لغايات آنية. وسخر سماحة من التحالف بين أركان هذا الهجوم، مهنئاً من وصفهم بـ”التحالف العريض” بين نبيه بري، رياض سلامة، يوسف الخليل، ونواب اليمين، قائلاً “الله يرحم ميشال شيحا”، وكأنه ينعى الجمهورية التي حلم بها المفكر اللبناني الكبير.

مشروعان متناقضان: الدولة أو الفدرالية
هذا السجال لا يُقرأ خارج السياق الأكبر للصراع على هوية الدولة اللبنانية. فبينما يمثل نواف سلام نموذجاً لقاضٍ ودبلوماسي تبنّى مشروع بناء الدولة على أسس الطائف والدستور، تقف ضده قوى ترى في الفدرالية وتقسيم الصلاحيات الطائفية والمناطقية سبيلاً لمستقبل لبنان، بعيداً عن دولة المواطنة والمؤسسات. حارث سليمان ربط هذا المشروع بمحاولة بناء وطن قومي مسيحي، وهو مشروع انفجرت من أجله الحرب الأهلية، ولم يوافق عليه حتى قادة مثل بيار الجميل.

ما يجري ليس فقط هجوماً على شخص نواف سلام، بل هو معركة بين مشروع الدولة المدنية ومشروع الفدرالية الطائفية. وبين دعاة الإصلاح المالي الشامل، وحماة النظام المصرفي الفاسد. وبين من يريد استعادة لبنان في محيطه العربي والإنساني، ومن يريد ربطه بأجندات مشبوهة لا تؤمن لا بفلسطين ولا بلبنان.
يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الحملة في عرقلة مشروع بناء الدولة، أم أن اللبنانيين، ومعهم القوى الحيّة، سيحسمون الخيار لصالح وحدة البلاد ومستقبلها؟