أخباركم – اخبارنا
لا تقتصر محاولات فرض النفوذ والسيطرة في لبنان على الوسائل السياسية والعسكرية فحسب، بل تمتد لتشمل أدوات أكثر عمقًا وتأثيرًا، من أبرزها التمدد الديموغرافي المنهجي. حزب الله، الذي أثبت قدرته على التغلغل في مفاصل الدولة، يبدو وكأنه ينفذ مشروعًا مدروسًا لإعادة رسم الخريطة السكانية والطائفية في عدد من المناطق اللبنانية، خصوصًا على طول الشريط الساحلي من بيروت إلى صيدا، وصولًا إلى إقليم الخروب وجبل لبنان.
من خلال شراء العقارات عبر واجهات وهمية وجمعيات ذات طابع “اجتماعي” ظاهري، ينفذ الحزب استراتيجية تهدف إلى تغيير الهوية الثقافية والطائفية لمناطق معينة، في مسعى واضح لفرض أمر واقع جديد يتماشى مع أجندته السياسية والأمنية. ما يجري ليس نشاطًا عقاريًا عاديًا، بل مشروع سياسي مموّه، يهدد أسس العيش المشترك ويطرح تحديات جدّية أمام الدولة والمجتمع على حد سواء.
في هذا السياق، كشف الصحافي طوني بولس وثيقة خطيرة تتعلق بعملية نقل ملكية ثلاثة عقارات في بلدة الرميلة – الشوف، من “شاري” مؤقت إلى جمعية تابعة لحزب الله. وبحسب الوثيقة، فإن خالد هرموش، من طرابلس والمقرّب من الجماعة الإسلامية، اشترى العقارات واستحصل على رخص لبناء أربعة مجمعات سكنية، قبل أن ينقل الملكية مؤخرًا إلى الجهة الحقيقية، أي جمعية “الكوثر”، المعنية بزواج “المجاهدين” وتأمين مساكن لهم.
كما تم مؤخرًا اكتشاف عملية بيع ضخمة ومموّهة لعقارات في قضاء المتن.
بولس، المعروف بمتابعته الدقيقة للملفات العقارية والأمنية، شرح لموقع “أخباركم – أخبارنا” كيف تتم هذه العمليات بأساليب ملتوية، من خلال واجهات وشخصيات وسيطة. وحذّر من نتائجها الاجتماعية والسياسية، داعيًا إلى تحرك قضائي وشعبي عاجل لوقف “المشروع التهجيري المرفوض”، مشددًا على دور الإعلام في فضح هذه المخططات التي تهدد التوازن الوطني والعيش المشترك.
وقال بولس: “من الواضح أن هناك مشروع تغيير ديموغرافي. حزب الله لديه خطة للسيطرة على الطريق الساحلي من بيروت إلى صيدا، ويركز على الرميلة كمنطقة استراتيجية. كما يعمل على حصار صيدا من الشمال، ومن الجهة التي تفصلها عن الجنوب، ويتوسع من الساحل باتجاه إقليم الخروب. سبق أن اشترى الحزب مجمّع ‘البحار’ عند مدخل الإقليم، وامتلك العديد من العقارات هناك عبر أساليب معيّنة”.
وأضاف: “نحن لسنا ضد أن يمتلك أي مواطن عقارًا في غير منطقته، فاجتماعيًا لا مشكلة، لأننا جميعًا لبنانيون ويحق لكل فرد أن يشتري حيث يشاء. لكن عندما يتم ذلك ضمن مشروع ممنهج لتغيير ثقافة المنطقة وتنفيذ أجندة سياسية، فهذا يجب رصده ومنعه. وعلى أهالي المنطقة أن يواجهوا هذا المشروع من هذا المنطلق”.
وأوضح بولس أن الشراء يتم غالبًا بطرق ملتوية عبر طرف ثالث، لأن السكان يرفضون البيع، فيلجأ المشترون إلى واجهات من جمعيات مشكوك في أمرها، تهدف إلى تغيير البنية الديموغرافية. إحداها متخصصة في تأمين مساكن للمجاهدين، ما يؤدي إلى تهجير ديموغرافي ممنهج.
وأكد أن ذلك سيخلق مشاكل اجتماعية وأزمات، لأن القادمين الجدد ينتمون إلى ثقافة مختلفة تمامًا، وهم لا يأتون للاندماج بل للفرض والإلغاء.
أما عن وجود عمليات مماثلة في مناطق أخرى، فقال بولس إن هناك ثلاث عقارات في المتن – في بعبدات وبصليم – تم شراؤها بأسماء مسيحيين، ليتبين لاحقًا أن المالك الحقيقي جهة إيرانية. وأوضح أنه تم كشف هذه العمليات عبر الدوائر العقارية في الزلقا، حيث تم عرض عقود بيع مشبوهة، وتمت مراسلة جهات أمنية، على الأرجح جهاز أمن الدولة، الذي أكد أن الجهة الشارية واجهة لأشخاص من الحرس الثوري الإيراني، وطلب من المالكين التريث في البيع.
لاحقًا، تدخل جهاز أمني آخر – يُرجّح أنه فرع المعلومات – وأوقف الموظفين عن العمل، وأقفل الدوائر العقارية، وتعرض الموظفون وأهاليهم للتهديد لعدم كشف ما جرى. ومع تغيّر الوضع الأمني والسياسي، بدأ بعض الموظفين بالتحدث عمّا حدث.
وشدد بولس على أن ما جرى خطير جدًا، ويبدو أنه كان هناك مشروع عقاري شامل سيُكشف لاحقًا. وذكّر بمشروع “القرض الحسن” الذي تحدث عنه قبل عامين، والذي خصص ملياري دولار لشراء أراضٍ عبر واجهات وسماسرة ومؤسسات عقارية، بعضها مرتبط بأطراف سياسية.
وأشار إلى أن من تولّى عمليات الشراء هم رجال أعمال ومؤسسات عقارية وأطراف ثالثة، مسيحيين أو من مناطق أخرى، لتغطية عملية الشراء الممنهج.
وعن سبب نشر هذه المعلومات في هذا التوقيت، أجاب بولس أن وثيقة رسمية جديدة حصل عليها مؤخرًا – مسجّلة في الشهر الأول من العام – أظهرت عملية نقل ملكية إلى جمعية الكوثر. وبحكم كونه من الرميلة، علم بالأمر من أحد المعنيين. وما يظهر اليوم ليس سوى مؤشرات أولى، لكن قد يُكتشف قريبًا أن مناطق كاملة تغيّرت ديموغرافيًا.
وأضاف أن المرحلة السابقة شهدت تحولات خطيرة يجب ربطها بالوضع السياسي. وقال: “لولا الحرب الإسرائيلية، لكان لبنان الآن تحت ولاية الفقيه، وكانوا سيجلبون سليمان فرنجية بالقوة، ويسيطرون على البلد. الضربة التي تعرضوا لها أنهت مشروعهم. كنا في مكان مختلف تمامًا”.
وأكد بولس أن الأمر لم يتحوّل بعد إلى أمر واقع، لكنه يستدعي تحركًا قضائيًا وشعبيًا. وذكر ثلاثة أسباب موجبة لتحرك القضاء:
أولا: أن الشراء يتم بصيغة غير مباشرة، ما يشكل غشًا في العقد، ويبطله قانونيًا.
ثانيا :أن هذه المشاريع تهدد العيش المشترك.
ثالثا :أن ما يجري يُعد نوعًا من الاستيطان، وهو أمر مرفوض.
وشدد على أنه لا مانع من أن يسكن أي مواطن شيعي في منطقة غير منطقته، فهذا حق طبيعي، لكن ليس عبر مجموعات تغيّر طابع وهوية المنطقة. ما يجري لم يعد عملية شراء بريئة، بل مشروع تهجيري واضح، والسكوت عنه جريمة.
وختم بالتأكيد على أهمية التحرك القضائي والمجتمعي، داعيًا إلى تتبع مصادر تمويل الجمعيات التي تشتري العقارات. “من أين تأتي الأموال؟ هل من تبييض أموال؟ تجارة مخدرات؟ يجب فتح ملفات هذه الجمعيات، ومصادرة أملاكها إذا ثبت أن أموالها غير شرعية، وفقًا للقانون”.
وعن دور الإعلام، قال بولس إن الإعلام هو وسيلة أساسية للإضاءة على ما يجري. “نحن لا نملك سلطة تنفيذية، لكن يمكننا الكشف عن هذه القصص وتسليط الضوء على المعلومات. يجب أن نحمي مناطقنا ومجتمعنا، لأن ما يجري لم يعد يُعدّ تعايشًا”.
وأضاف أن هناك من تواصل معه حول أحداث مماثلة في مناطق أخرى، لكنهم يفتقرون إلى الوثائق. وتابع: “الموضوع بحاجة إلى صور جديدة ووثائق، لا مجرد كلام إعلامي. عندما تحدثنا عن العقارات، كانت هناك وثائق، وكشفها أحد الموظفين. لكن الموظفين لديهم خصوصية، ولا يمكنهم الظهور علنًا”.
