كتب ابراهيم بيرم لـ” أخباركم – أخبارنا”
تنقسم الرؤى في بيروت حول موضوع ساخن يشغل الرأي العام، بين فريق رفع استهلالاً لواء نزع عاجل لسلاح حزب الله وطيّ كل ما له علاقة بالمقاومة المسلحة، حاضراً وتاريخاً، خصوصاً بعدما فقد هذا السلاح قوة الردع بفعل حرب إسناد غزة، التي اطلقها الحزب بعد يوم واحد على عملية “طوفان الاقصى”، وبين فريق آخر يعتنق مساراً مختلفاً لانهاء اشكالية السلاح، منطلقاً من طاولة حوار وطني مفتوحة زمنياً تتولى حصراً مهمة الوصول الى استراتيجية للأمن الوطني تقر نهائياً استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم عبر حصرية السلاح ويكون بإمكانها ان تبسط سلطتها على كامل الجغرافيا اللبنانية، انفتحت على مصراعيها أبواب سجال كلامي، مقروناً بخشية البعض بأن يتراكم لينفجر يوم على صورة الحرب الاهلية التي استعاد اللبنانيون جميعاً ذكراها الخمسين وحذروا من مرارتها.
بين هذين التوجهين المتعارضين بل المتصارعين، ينقسم الرأي العام اللبناني، خصوصاً أن الفريق الاول يعتبر أن اللحظة التي انتظرها طويلاً للتخلص من هذا السلاح واعبائه قد حانت ويتعيّن عدم تضييع الفرصة، في حين أن الفريق الثاني يبحث بدأب عن طريقة ما تشرع له الاحتفاظ بهذا السلاح.
وعليه، انبرت نخب سياسية تعتبر نفسها غير منتمية لأي من المعسكرين، لتطرح “نظرية وفاقية” بين النظريتين المتصارعتين، او بمعنى آخر لتقدم طريقاً ثالثاً لحل يؤمّن انتقالاً سلساً وآمناً بين مرحلتين.
ويأتي النائب المستقل الدكتور غسان سكاف كواحد من المؤيدين لهذه الرؤية الوسطية والمدافعين عنها بقوة، إذ يؤمن بأنها “الحل الذي سيتم اعتماده مهما طال الوقت، بعد أن يستنفد المتصارعون خياراتهم ورهاناتهم ويلعبوا كل اوراقهم”.
ويمهد سكاف لتك “الرؤية” بالقول: لقد خرجت من لقاء جرى اخيراً بيني وبين فخامة رئيس الجمهورية، باستنتاج فحواه انه عازم فعلياً على اعتماد مسار حواري يفضي في نهاية المطاف الى انهاء اشكالية السلاح الفارضة نفسها على المشهد السياسي بقوة، وقد كنا واياه متفقين على أمر أساسي وهو الكف عن اعتماد مصطلح “نزع السلاح” نظراً لما له من حساسية ورفض عند فريق معين، ونظراً لكونه يوحي باستخدام عنصر القوة يوماً للتنفيذ، واعتماد مصطلح بديل وهو “تسليم السلاح”.
أضاف: أمر آخر وجدته لدى فخامته، وهو انه يمتلك تصوراً ورؤية متكاملة اي خارطة طريق لحل هذه الاشكالية المزمنة، مبتداها عدم التراجع عن هدف الوصول الى “استراتيجية الأمن الوطني” بناء على مسار حواري مع كل الاطياف الوطنية، تاكيداً على أمرين:
الأول: الحيلولة دون اي خطوات تقود الى تفجير الوضع الداخلي لتحاشي الانزلاق الى فخ يسعى اليه البعض.
الثاني: يقيننا بأنه لم نعد نملك ترف الوقت “لتمييع” هذه المسألة وتأجيل حسمها، لأن التحولات التي فرضت نفسها بعد حرب الإسناد قد فرضت ايضاً وقائع ضاغطة لا يمكن الفكاك منها أو تجاهلها.
وبمعنى آخر، يستطرد سكاف: ان الضغوط القاسية، التي تمارس على لبنان ليست بالأمر العابر، بل هي مستمرة ومتصاعدة، وهذا يعني ان ليس امامنا مفر او مهرب من حسم الامر، خصوصاً أننا قد اعطينا سابقاً التزامات بهذا الاطار.
واستدرك سكاف: إن تجليات هذا الضغط ونوعه قد تبدى واضحاً في اعقاب زيارة الموفدة الاميركية الى بيروت قبيل ايام، اذ أن ما اشيع عن اداء مرن وكلام ديبلوماسي كان لها إبان جولتها على المسؤولين، فانها عادت في مقابلة متلفزة لها لاحقاً، لتقدم للجميع الوجه الآخر الصلب، لا سيما بعدما وصفت حزب الله بـ “السرطان القاتل الذي يتعين استئصاله والتخلص منه”.
وأضاف: في الوقت عينه نلمس جميعاً بأن دعاة “حصرية السلاح” بيد الدولة قد نجح في رفع اصواتهم الى اعلى المستويات بحيث باتوا شريحة لا يمكن الاستخفاف بها أو تجاهلها.
وبناء عليه، يستطرد سكاف، انا اعتقد بضرورة التوجه جدياً لوضع استراتيجية الامن الوطني، واميل الى الظن بأنها ستعتمد في نهاية المطاف، لا سيما وان المعني المباشر وهو حزب الله قد افصح مراراً عن مرونة بهذا الشأن، وكشف عن أنه يملك ضمناً توجهاً للحل، وقد قدم نماذج ايجابية في منطقة جنوب الليطاني وفق تقديرات الجيش نفسه، فضلاً عن التزامه باتفاق وقف الاعمال الحربية.
ورداً على سؤال، أجاب سكاف: إذا كنا نحن من المشددين على ضرورة فعل كل ما يمكن فعله لتحاشي الانزلاق إلى فخ الصدام الداخلي وتفجير الاوضاع حول سلاح الحزب، فإننا لسنا من مؤيدي الدعوة الى طاولة حوار مفتوحة بشأن مصير هذا السلاح ومستقبله، لأن الوقت لم يعد يسمح بتكرار تجارب سابقة. كما اننا نعارض تماماً الفكرة التي يروّج لها البعض عن تشكيل قوة رديفة للجيش اللبناني على غرار تجربة “الحشد الشعبي” في العراق، لأنه يتعيّن علينا الالتزام التام بتطبيق القرار 1701 بكل ما تضمنه من بنود.