كتب ابراهيم بيرم: ليست المرة الاولى التي يستشعر فيها (ا ل ح ز ب) انه صار هدفاً لـ “حملة ضغوط مكثفة وممنهجة” تشنّ ضده من اكثر من جهة داخلية وخارجية، بهدف إحكام حلقات الحصار عليه على نحو يقعده عن الحركة ويمنعه من المبادرة والمناورة وصرف قوته، لكنه يقرّ انه بدأ يشعر بأن هذه الحملة صعدت منسوباً وتنوّعت اسلوباً بعدما ادخلت عليها اخيراً عناصر جديدة، وذلك خلال الاشهر الاربعة المنصرمة.
جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الاخيرة في مجلس النواب، مثلت في قراءة دوائر القرار في (ا ل ح ز ب) منصة تصعيد جديدة ومختلفة على نحو مفاجىء. ففي جلسة 14 حزيران الماضية يعتقد (ا ل ح ز ب) ان “المشيئة الاميركية” المتقاطعة مع مشيئة قوى داخلية، قد نجحت في بلوغ أمرين معاً:
الاول: “خلق” ائتلاف سياسي هجين حول المرشح المحتجب عملياً عن الانظار الوزير السابق جهاد ازعور، وامّنت له كتلة وازنة من 59 صوتاً. هذه الكتلة وان كانت في نظر الثنائي وحلفائه آيلة الى انفراط وشيك وحتمي، الا انها بينت ان تجيير هذا الكم من الاصوات لمصلحة هذا المرشح انما كان هدفه الاساس ليس تأمين انجاحه بل قطع الطريق على مرشح الثنائي الشيعي، اي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية واخراج مجموعات الاعتراض والمعارضة من حال الضياع والتشتت التي عاشوها منذ جلسة الانتخاب الاولى الى حال التماسك والالتفاف حول مرشح تحد واحد.
الثاني: ان هذه المشيئة تمكنت من اعلاء الصوت المسيحي المعادي لـ (ا ل ح ز ب) ودفعه الى دائرة الحراك الحر.
وفي تقديرات (ا ل ح ز ب) ان المشيئة الاميركية عينها نجحت في ايجاد عناصر مضادة له ومستعدة للدخول في اشتباك معه، خصوصاً بعد ان انتهى الاستثمار الطويل زمنياً في الشارع السني بفعل تطورات طرأت على وضع ذلك الشارع وساهمت في افقاده قيادته.
والواضح انه بين محطة 14 حزيران في ساحة النجمة ومحطة حادث كوع الكحالة اخيراً، سجلت عشرات الحوادث، جزء منها مفتعل، وضخمت عشرات الحوادث الصغيرة عبر نفخها والاضاءة الاعلامية عليه لرفعها الى مقام الحدث.
وقد ترافق كل ذلك مع تطورات اقليمية اقنعت كثراً بفرضية ان مسار الامور يتجه في الداخل اللبناني الى “يوم الارتطام الكبير”، كما يقول استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور خليل حسين.
أبعد من ذلك، يحصي الدكتور حسين بروز العديد من المحطات اللافتة التي فرضت نفسها في الداخل وفي الاقليم خلال الايام الماضية.
على المستوى الداخلي، تسجل الوقائع والتطورات الاتية:
– عاد لبنان الى دائرة عين العاصفة الاقليمية والدولية بعد انكفاء نسبي في الظل.
– حصول احداث نوعية متنقلة يعمل البعض على تصويرها بأنها تراكم كمّي سيؤدي الى تحولات خطيرة جداً.
– عزز تلك الاجواء الانفجار المفاجىء للاحداث الامنية الضارية في اكبر المخيمات الفلسطينية في عين الحلوة، والحديث الاستتباعي عن قرب انتقالها الى مخيمات اخرى لتصير حرباً فلسطينية مفتوحة.
– ومن ثم التحذيرات المتتالية التي اطلقتها سفارات خليجية وغير خليجية الى رعاياها في لبنان، داعية اياهم اما الى مغادرة لبنان او توخي الحذر والحيطة تحسباً من اهتزازات امنية آتية ساعتها ولا ريب.
– كل تلك الوقائع مجتمعة عززت فرضية ان هناك تحضيراً للمسرح الداخلي يفضي الى بيئة أمنية قابلة للانفجار تمهيداً لاستثمارها في انتخابات الرئاسة الاولى في محاكاة لتجربة عام 2008 رغم اختلاف الظروف.
على المستوى الاقليمي سجل الدكتور حسين الآتي:
– تراجع مساحة التفاؤل التي نمت بعد اتفاق بكين الذي رعى مصالحة تاريخية بين ايران والسعودية.
– ارتفاع مستوى التوتر بين الفوالق الاقليمية واعادة النظر بموازين القوى في المنطقة وتعديل قواعد الاشتباك فيها.
في المحصلة، يضيف الدكتور حسين: طفت على السطح اخيراً قرائن وشواهد توحي بأننا مقبلون على وضع ينزلق نحو الانفجار الخطير، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الوضع آيل الى هذا، والارجح اننا سنبقى في حضانة الفوضى المضبوطة نوعاً ما الى اجل غير مسمى.
في موازاة ذلك، يقر (ا ل ح ز ب) على لسان بعض قيادييه بأن “خصومه لا يتعبون ولا يملون من البحث والتنقيب عن وسائل وانماط لالحاق الاذى به وتشويه سمعته وتحميله تبعات اي حدث يستجد هنا او هناك”.
وبعد حادثة الكحالة وما قبلها من حوادث، يرى المصدر عينه ان “هؤلاء الخصوم قرروا رفع مستوى المواجهة معه، ورفع منسوب التحدي والاستفزاز له على نحو يظهره في موقع المدافع عن نفسه والعاجز عن رد الضربات المتتالية الموجهة اليه منهم.
وبمعنى آخر، يضيف المصدر، بتنا على يقين من ان هؤلاء الخصوم تلقوا اخيراً امر عمليات عنوانه العريض: إرفعوا من مستوى تحديكم لـ (ا ل ح ز ب) ونوّعوا في اساليب استفزازه واحراجه بغية اخراجه واظهاره بمظهر المحاصر والمنبوذ.
ومع كل هذه الاجواء التحريضية والتهويلية، فان (ا ل ح ز ب) وفق المصدر عينه، مطمئن الى ان زمام المبادرة لم يفلت من بين يديه ليصير في يد الخصوم المتربصين الباحثين بدأب عن ثغرة ينفذون منها اليه، بما فيها العودة الى اسلوب الميليشيات وفرض الامن الذاتي في مناطق معينة، مع يقينهم المسبق بأن توسلهم لهذا الاداء في السابق لم يكن مجدياً لهم.
وعليه فان (ا ل ح ز ب) لا يستشعر خطرا وشيكا وهو يتعاطى مع التطورات بحكمة ورية وبعيدا عن ردات الفعل لذا فانه يصر على المضي قدما في حواره مع ” التيار الوطني الحر ” وبذل اقصى الجهود للخروج من حال التازم الى حال الاستقرار وانتظام عمل المؤسسات . وهو لذا لا يجد مندوحة من الجلوس في يوم ليس ببعيد مع كل القوى المعنية الى طاولة واحدة لان احدا بمفرده من مكونات المشهد السياسي عاجز عن انتاج حلول او صنع وضع .
