كتب ميشال ن. ابو نجم: يمشي التيار الوطني الحر في رمال لبنانية متحركة. حليفه يثقله بصورته، والقوى المسيحية اليمينية متحفزة على يمينه. كل ما يتحرك أمامها هو هدف تستفيد منه لمحاولة رفع شعبيته. لذلك لا عجب إن عبّر “التيار” عن مواقف توازن بين المبدئية وبين عدم الذهاب في توتير عبثي للجو السياسي في ظل ظروف مضطربة سياسياً وأمنياً.
ضمن هذا الإطار يمكن قراءة ردود الفعل العونية والتيارية منذ مساء الأربعاء الدامي في الكحالة، إحدى معاقل العونيين في عاليه.
النائب سيزار أبي خليل كان واضحاً وجازماً. على الرغم من الهجوم القاسي لمحطة ام تي في عليه وبطريقة تجاوزت المعايير الإعلامية المعروفة، شدد أبي خليل على محاسبة المتورطين في مقتل فادي بجاني وقيام الدولة وأجهزتها الأمنية بواجباتها كاملة. وما لبث أن لاقاه النائب سليم عون الذي اشار الى التضامن مع الكحالة والى ان زحلة التي عاش فيها بجاني بعد ترحيل مقاتلي ايلي حبيقة اليها عام ١٩٨٦ مصدومة هي الأخرى. وأتبع عون موقفه بتغريدة لفت فيها الى مواجهة التحريض والخطاب الإستثماري في حادثة “كوع الكحالة”.
وظهر اليوم باتت مواقف التيار اكثر وضوحاً وتعبيراً. وبين لجنة الإعلام وتغريدة جبران باسيل، كمن موقف “التيار” المتوازن والمعبر عن تموضعه ومقاربته الأمور. فلجنة الإعلام عبّرت عن الجانب العقلاني المتمثل بضرورة عدم الإنجرار إلى الخطاب الإستثماري والنفخ في أتون التحريض بين الكحالة وحزب الله خاصة وأن بعبدا – عاليه مختلطة ومتنوعة، وذلك بالتوازي مع إعلان التضامن مع الكحالة وأهل فادي بجاني.
أما موقف باسيل فكان أكثر وضوحاً في الإعلان عما يفكر به ونفحته “المسيحية المناضلة”، مستحضراً رمزية الكحالة في “العنفوان والصمود”. لكن الأهم في موقف باسيل هو فتحه الباب أمام النقاش حول الإستراتيجية الدفاعية كمظلة حماية وطنية لحزب الله، غامزاً من عدم كفاية الوحدة الشيعية لحماية سلاح المقاومة. وقد ربط باسيل في “تخييط” تغريدته بين أهمية حماية طرق المقاومة، لكن في الإطار الوطني وتحت مظلة الدولة، لئلا يبقى السلاح عرضة للإستدراج والإستخدام. وهي رسائل بالغة الرمزية لباسيل عشية استئناف حواره مع حزب الله، بالتوازي مع مخاطبة الوجدان المسيحي اللبناني وعدم ترك الساحة للقوات والكتائب ليغرفا منها على حساب “التيار”، بعدنا التهموا كثيراً من صحنه وخاصة بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩.
أما الرئيس ميشال عون الذي يتنبه لخطورة التحريض الاعلامي فأصرّ على بديهياته في ظروف مماثلة، طالباً التهدئة على اعتبار أن الإشتباك لن يؤدي سوى إلى خسارات عبثية، سبق وأن خبر تجاري مماثلة لها في خلال خدمته العسكرية.
كان العونيون يعرفون جيداً أنهم سيصابون كيفما تحركوا، لكن الأفضل بالنسبة إليهم استمرار التحرك مع مراقبة الخصوم يميناً ويساراً. بنظرهم يبقى التوازن هو أفضل معبر عن واقعهم السياسي وعن التلازم “الجيني” بين الوجدان والعقل في سياقاتهم السياسية اللبنانية المتعرجة.