يبدو ان المنظومة الحاكمة تلعب لعبة مزدوجة بموضوع الاستيلاء على حقوق المودعين اللبنانيين ففي وقت بدأت فيه ترتفع الاصوات منتقدة اداء رياض سلامة لتحميله المسؤولية، على وقع الحقائق التي بدأت تتكشف اثر نشر التدقيق الجنائي، اختفى الاخير بحماية المنظومة واصبح عنوانه مجهولاً رغم الحراسة والمرافقة التي يتمتع بها وهي شبيهة بالحراسات التي ترافق الرؤساء والوزارات. ليس سراً ان (ا ل ح ز ب) الذي انضم لجوقة منتقدي سلامة كان من اكثر الناس حماية له فهو هندس من ضمن هندساته تبييض اموال الحزب وهناك الكثير ليقال في هذا الموضوع. لا مصلحة لهم بسقوطه. خروجه من الحاكمية تسجل نقطة للتيار كما يسجل للتيار موضوع التدقيق الجنائي، وللكتائب الضغط لاخراجه الى النور.
المنار القناة التابعة للـ (ا ل ح ز ب) كتبت عن التدقيق وقالت ان الحقائق التي أخفاها الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لسنوات طويلة بدأت بالظهور، فبحسب تقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته «ألفاريز أند مارسال»، كان سلامة إمبراطوراً يسيطر على المصرف المركزي بلا نقاش وبلا اعتراض. فهو يرسم السياسة النقدية، ويحدّد المعايير المحاسبية التي سيتم استخدامها لإخفاء الخسائر المتراكمة، ويقرّر أي المصارف تستفيد من قروض وهندسات مالية، ويوزّع المال العام على رعايات أو بالأحرى تنفيعات لأفراد وشركات ومؤسسات إعلامية… ووسط كل ذلك، لم ينسَ نفسه وعائلته، فلجأ عبر شقيقه رجا سلامة إلى تأسيس شركة اسمها «فوري»، ووقّع رياض مع شقيقه رجا عقداً درّ على شركتهما ملايين الدولارات، رغم أن التقرير لم يجد لهذا العقد أي تبرير وظيفي. أما اللاعبون في «دكانة» مصرف لبنان بإدارة رياض سلامة، فكانوا عبارة عن أصنام في المجلس المركزي يكتفون بما يقدّمه لهم من شروحات مختصرة حول عمليات يريد القيام بها، وهم لا يناقشون فيها، ولا يتابعون أي تفاصيل متّصلة بها. لا رقابة داخلية في المصرف، وبياناته المالية لا تعبّر عن الوضع المالي الحقيقي، أي عن الخسائر، بل يكاد التقرير يقول إنه كان يزوّر القيود المحاسبية ليظهر المصرف المركزي رابحاً ويوزّع أرباحاً للدولة بقيمة 40 مليون دولار سنوياً. كلّ ذلك، كان يتم بتعليمات مباشرة منه لموظفي المحاسبة في المصرف المركزي لإبقاء الخسائر مجمّعة في بند واحد يسمى «pool». سمّوها ما شئتم، «بركة»، «تجمّع»، «حوض»… المهم أن كل القذارات المالية المرتكبة كانت تُخفى هناك.
في ما يلي بعض مما ورد في تقرير «ألفاريز أند مارسال» عن خسائر مصرف لبنان، وعن شركة «فوري» وعن أصنام المجلس المركزي، وعن الهندسات المالية. التقرير مؤلّف من 332 صفحة موزّعة على 14 باباً فيها الكثير من التفاصيل الوصفية للعمليات المحاسبية والمصرفية والإدارية المعقّدة التي تشير بوضوح إلى مسؤولية رياض سلامة في إدارة «دكانة» هائلة كانت تحفّز النموّ الاقتصادي بتنقيد الديون والخسائر المتراكمة، لا بل كانت تضع هذه الخسائر باعتبارها أرباحاً مؤجّلة. معظم ما ورد في التقرير كان معروفاً، أو لدى العامة فكرة مختصرة عنه، إنما التقرير جاء ليوثّق هذه العمليات على مدى فترة زمنية محدّدة، أي إنه لم يدقّق في كل فترة حكم سلامة، وهو لا يقدّم سوى توصيف تقني عما يحصل، أي إنه لا يتطرّق مطلقاً إلى الشراكة السياسية التي تركت سلامة يهيمن من موقع القائم على السياسات النقدية، على كل الاقتصاد وعلى عمل الحكومات. خلاصة التقرير أن مصرف لبنان كان يدير أكبر عملية توزيع انتقائي وبأهداف غير اقتصادية للأموال العامة.
بدع محاسبية
استخدم مصرف لبنان معايير محاسبية «غير تقليدية» لتحضير بياناته المالية. هو إجراء تستخدمه العديد من المصارف المركزية عالمياً، لكنه في العادة يكون طبقاً لمعايير بديلة ثابتة وواضحة، وهو أمر تفتقر إليه المعايير التي اعتمدها مصرف لبنان. هذه الإجراءات سمحت لمصرف لبنان بنشر بياناته المالية بشكل غير شفّاف وإخفاء الكثير من المعلومات. المعايير المحاسبية التي بنى عليها مصرف لبنان بياناته المالية تعود إلى «الدليل المحاسبي» الخاص بمصرف لبنان، الذي يوافق عليه المجلس المركزي. هذا الدليل عُدّل في عدّة مناسبات، منها في عام 2016 وعام 2018.
بعض الإجراءات «غير التقليدية» التي قام بها المصرف تتضمّن:
– تأجيل أكلاف الفوائد لزيادة الربحية في البيانات المالية بشكل وهمي.
– خلق حسابات لأرباح سكّ العملة لتغطية الخسائر التي تمّ تأجيلها، أيضاً بهدف زيادة الربحية.
– تضخيم قيمة سندات الدين الحكومية من خلال عدم احتساب التراجع في قيمتها.
– تسجيل ارتفاعات/انخفاضات غير محقّقة في حساب الذهب في الميزانية، وهو ما تسبّب في تضخيم/تقليل قيمة أصول ورأس مال المصرف.
– مقاصّة مطلوبات وزارة المالية على مصرف لبنان بالدولار الأميركي، مقابل ودائع الخزينة، ما أدّى إلى خفض قيمة الموجودات والمطلوبات في ميزانية المصرف.