كتب باسل عيد: ابو سليم الطبل وفرقته، أبو ملحم وزوجته، عشرة عبيد زغار، ألو حياتي، ديالا، عازف الليل، المعلمة والأستاذ، ساعة وغنية، الدنيا هيك، فارس ونجود، لا تقولي وداعاً، بربر آغا، وغيرها الكثير الكثير من المسلسلات والبرامج التي طبعت طفولتنا ومرحلة شبابنا، حين كنا نتسمر جميعاً، كل أفراد العائلة، أمام شاشة كانت حينها بمعظم برامجها بالابيض والاسود، وبعضها بالألوان الباهتة التي كانت تميز تكنولوجيا ذلك الزمن، برضى تام من المشاهدين، الذين كانت تجمعهم حول جهاز تلفاز واحد في المنزل، محطة واحدة تبث في أرجاء لبنان، هي “تلفزيون لبنان”.
هذا التلفزيون الذي لم يكتف بإشباع فضول مشاهديه لمعرفة ماذا تخبىء برامجه ومسلسلاته من أحداث متسلسلة وتسلية واغان وطرب ومسرحيات، وحتى إعلانات مبوبة كانت تبث بطريقة مرئية للمرة الأولى في لبنان، وبالطبع نشرات الاخبار بالصوت والصورة. الى جانب هذا كله، ساهم هذا التلفزيون في صنع نجومنا وسفرائنا الى النجوم أمثال فيروز، صباح، ملحم بركات، نصري شمس الدين، محمد جمال، عبد المجيد مجذوب، سمير شمص وغيرهم الكثير من نجوم الفن من غناء وتمثيل وصحافة وإعلام وتقديم البرامج وشخصيات فكاهية على رأسهم نجيب حنكش.
“شركة التلفزيون اللبنانية” التي أسسها وسام عز الدين بالشراكة مع شركة طومسون الفرنسية المنتجة للتلفزيونات وبمساعدة دوري شمعون، استحصلوا على رخصة للبث عام 1957، وبسبب أحداث عام 1958 تأخر التنفيذ إلى 1959 حيث أنشأوا المبنى في تلة الخياط وبدأ البث باللغتين: اللغة العربية في ما عرف “بالقناة 7″ وباللغة الفرنسية فيما سمّي بـ”القناة 9” بمشاركة شركة “أو أر تي أف” الفرنسية.
وعلى رغم انقسام تلفزيون لبنان في سنوات الحرب الاهلية بين محطتين: محطة تلة الخياط ومحطة الحازمية، الا انه ظل ملتزماً بحد كبير من الموضوعية في نقل الاحداث. وبعد ان وضعت الحرب أوزارها، عاد التلفزيون واحداً ليكون مقره الاساسي في تلة الخياط، ليستمر حتى يومنا هذا في بث تاريخ لبنان الفني الجميل، وليذكرنا بالحنين الى الماضي حيث بساطة ورقي كل شيء في حياة كانت بعيدة من عقد التكنولوجيا والتطور وشرخ القيم الاجتماعية والاخلاقية.
امس، وبعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان بالمجمل، من ضمنها التلفزيون الرسمي، وبعد إضراب موظفيه والعاملين فيه، توقف تلفزيون لبنان عن البث، وباتت شاشته تعرض ألواناً فقط، تذكرنا بالبث القديم الذي كان يسبق بدء عرض البرامج. ألوان فقط من دون صوت، تجعلنا نحزن على ما آلت اليه الأمور في تلفزيون الوطن.
أقولها بصدق وبلا مواربة: برامج تلفزيون لبنان التي يسخر البعض منها كونه لا يبث الا القديمة منها، أفضل بالنسبة الي ألف مرة من تلك الحديثة التي تبثها القنوات الاخرى والتي لا تمت بصلة الى تقاليدنا وقيمنا. يكفي ان تلك البرامج التي كان يبثها تلفزيون لبنان قبل توقفه منذ أيام، تشعل في داخلنا الحنين وتذكرنا بكل جميل مضى. يكفي أن هذا الأرشيف يساوي المليارات من الذكريات التي لا تقدر بذهب الدنيا.
وختاماً، عسى أن يعود الينا تلفزيون لبنان الجميل، وان ينال موظفوه كل ما يرضيهم لقاء حياة كريمة هم واسرهم، وان تتزين شاشاتنا مجدداً بذاكرة الماضي الجميل.