عقدت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني اجتماعاً لمكتبها التنفيذي ناقشت خلاله الوضع الداخلي والاقليمي من مختلف جوانبه، وقررت إصدار هذا النداء ـ الدعوة للشعب اللبناني من أجل المبادرة للعمل على إنقاذ وطنهم من المخاطر الداهمة التي تهدد مصيره وسلمه الأهلي. وجاء في بيان المنظمة:
إن ما شاهدناه خلال الأيام المنصرمة من فوضى أمنية، وما تابعه اللبنانييون بقلق وخوف، من أحداث دموية خطيرة، كان مسرحها مخيم عين الحلوة، وبلدتي عين ابل والكحالة وغيرها. وما رافقها من سعار طائفي ودعوات سافرة للاقتتال، شاركت فيها بعض قوى السلطة التي دعت للانخراط في مجرى العنف المسلح، والقذف باللبنانيين إلى لُجة الاحتراب الانتحاري غير عابئة باكلاف دفع البلد ثانية للعودة إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
إن منظمة العمل اليساري التي قرأت جيداً تجربة الحرب الاهلية بكل ملابساتها الداخلية والخارجية، ونقدت مساهمتها ومشاركتها فيها، تهيب باللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم، وهي تدعوهم للنضال السلمي من أجل تلافي العودة إلى هذا الخيار المدمر. خاصة وأن الأزمة أو الأزمات اللبنانية التي بدأت مع تأسيس الكيان اللبناني، لا تزال مستمرة بقوة أخطاء اللبنانيين وخطاياهم، من هم في مواقع السلطة أو في صفوف المعارضة. وهي التي تضع لبنان اليوم أمام تحديات كبرى ومصيرية، في منطقة باتت مسرحاً لكل أنواع الصراعات التدميرية.
إن إشكالية الانقسام الأهلي العميق، هي أساس تلازم صيغة الكيان والنظام والمصالح الفئوية لقواه الحاكمة، وسبباً لانفجار أزمات لبنان المتكررة. وهي التي شكلت سيفاً مسلطاً على تاريخ وحاضر اللبنانيين ومستقبلهم. واساس خلافاتهم حول الهوية والدور والمصالح والسلاح الاهلي والمستقبل. وهي القضايا التي شكلت ايضاً مستندات وركائز التدخلات الخارجية، والعقبة التي حالت دون وحدة اللبنانيين، وعطلت قدرتهم على إدارة حياتهم السياسية المشتركة وتنظيم شؤون الحكم فيما بينهم.
ومراراً وتكراراً، أكدت الطبقة السياسية التي تحكم البلد بقوة نظام المحاصصة والفساد السياسي، أنها ليست بوارد، ولا من مصلحتها اصلاً، إعادة النظر بمشاريعها وممارساتها الفئوية نظراً لمواقعها الطائفية، ولا التخلي عن شروطها الفئوية أو رهاناتها الخارجية وخياراتها الانتحارية.. وهي التي إعادت إنتاج أزمات البلد وانقساماته الأهلية حول مختلف قضاياه وشؤونه الوطنية والسياسية والاقتصادية والإدارية والمالية والقضائية والأمنية إلخ..
إن الطبقة السياسية والمالية التي تحكم البلد وتتحكم بأوضاعه بقوة سلاح الأمر الواقع الطائفي، قد تجاوزت كل الخطوط الحمر. وهي مستمرة في التلاعب بمؤسسات الحكم والدولة، على رافعة الانقسام الأهلي، وفي إخضاع اللبنانيين بقوة الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي للبنانيين. سعياً منها لتنفيذ مشاريع الهيمنة الفئوية وسيلة لتقاسم السلطة والمغانم. إنها القوى التي لم تتردد يوماً عن الاستقواء بالخارج والارتهان له، وعن استحضار المؤامرات الوهمية ومشاريع التقسيم والفدرلة الانتحارية. واستخدامها ذرائع لتعطيل الاستحقاقات الدستورية وتغطية ممارساتها، ولتبرير الانهيار والفلتان الأمني، واستغلال القضية الوطنية، ذريعة لمصادرة القرار اللبناني بالسلم والحرب بقوة الامر الواقع، بحجة الدفاع عن البلد وحمايته من المخاطر الاسرائيلية.
لقد دأبت تلك القوى على وضع مصير الكيان والدولة والشعب في خطر دائم من خلال الإبقاء على شبح الحرب الأهلية مخيماً، وعبر استسهال تكريس بقاء لبنان ساحة مواجهة مفتوحة للمشاريع والصراعات الاقليمية، وإثارة الخلافات السياسية مع البلدان العربية ودول الخارج، وربط أوضاعه بأزمات وقضايا المنطقة المتفجرة. وتكرار تسليم الخارج تولي إدارة أزمات البلد ومسؤولية البحث عن مخارج له على حساب مصالح اللبنانين وطموحاتهم.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
إن عجز اللبنانيين عن بناء وطن ودولة، وفشل جميع التجارب الاصلاحية السابقة، والنتائج التدميرية التي تأتت عنها، سببه الاستهانة بعمق الانقسام الاهلي، والاستخفاف بمسؤوليتهم عن معالجة مشكلاتهم وقضاياهم الخلافية، والهروب من موجبات بناء وحدتهم الوطنية مدخلاً للتحرر من تدخلات الخارج. ولذلك فإن المسؤولية الوطنية تقتضي منا جميعاً مغادرة الخفة في التعامل مع تاريخنا، وعدم التهرب من مسؤولياتنا، عمّا ارتكبناه جميعاً من أخطاء وخطايا بحق بلدنا ومواطنينا ومواجهة واقعنا بمراراته وتعقيداته.
وعليه، فإن منظمتنا تدعوكم إلى الإستفادة من تجاربنا، وعدم التهوين مطلقاً، من شأن خلافاتنا وصراعاتنا واشتباكاتنا وحروبنا الباردة والساخنة، لأنه يعادل استخفافاً كاملاً بمستقبلنا، ويدفع بنا وبلبنان كياناً وطنياً ومجتمعاً أهلياً ودولة نحو الدمار والخراب وخطر الزوال.
إن ما ندعو إليه، ليس مجرد شعار شكلي، بل دعوة للعمل معاً في سبيل بقاء لبنان الكيان أولاً وقبل أي شيء آخر. عمل يستند إلى وعي صعوبات الوضع الراهن الداخلي والاقليمي لتبيان موطىء القدم اللبنانية في المنطقة العربية، واستكشاف مستقبلنا الانساني والبشري، بكل ما يحتشد فيه من طموحات وأحلام تستحق النضال من أجلها. عمل يرتبط بمدى أهليتنا وقابلية قوى وفئات المجتمع كافة على الاضطلاع بموجباته، انطلاقاً من المصلحة الوطنية في بقاء لبنان وطناً موحداً وقائماً بذاته، يستحق منا جميعاً عدم التفريط به، أو الاستخفاف بأهمية وجوده.
إن المغامرات الطائفية لا تبني وطناً. والمشاريع الانتحارية والانتصارات الوهمية تدمره ولا تحميه. والشعارات لا تنقذه. ولذلك فإن التحدي الذي يواجه أكثرية اللبنانيين اليوم، وخاصة قوى وتيارات المعارضة الديمقراطية المستقلة، هو المبادرة إلى التلاقي لصياغة برنامج الحد الأدنى الإنقاذي، مدخلاً لتجميع واستقطاب سائر قوى وفئات المجتمع صاحبة المصلحة الحقيقية في بقاء البلد والحفاظ على سلمه الأهلي. إنه تحدي عدم انتظار الخارج والرهان عليه. تحدي تحمّل المسؤولية والعمل المشترك لمواجهة قوى المحاصصة الطائفية والفساد السياسي ومحاصرتها وطنياً، والضغط عليها وإلزامها تنفيذ واجباتها الدستورية وإنجاز الاستحقاقات الوطنية، مدخلاً لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها ولاستقامة الحياة السياسية الديمقراطية ووقف الانهيار إنقاذاً للبلد قبل فوات الأوان.