كتبت عايدة الاحمدية: بعد اكثر من ثلاث سنوات ونصف يحط مشروع القانون الرامي إلى وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفيه والسحوبات النقدية (الكابيتال كونترول) في مجلس النواب الخميس المقبل، اذا تأمن نصاب الجلسة.
قانون الكابيتال كونترول الذي كان يفترض اقراره منذ بدء الازمة المالية ما يزال محل تجاذبات رغم التعديلات التي ادخلت عليه حيث اعتبر النائب جورج عدوان أن “الكابيتال كونترول لا يُقرّ بهذه الطريقة بل ضمن سلّة تشمل إعادة هيكلة المصارف والتوازن المالي وهو يحتاج الى أرقام لم نحصل عليها بعد ولفت عدوان الى ان إقرار القوانين إفرادياً ينعكس على المودعين”
ورات مصادر اقتصادية ان مشروع الكابيتال كونترول المطروح يعاني الكثير من المشاكل غير المحسومة مثل حماية المصارف من الدعاوى، وليس متوافقاً تماماً مع ما يطلبه صندوق النقد الدولي، ولا يحفظ حقوق المودعين الذين يتحضرون لتنظيم تحرك يواكب انعقاد الجلسة للاعتراض على محاولة تمرير القانون الذي يتضمن شوائب عدة.
بدورها رسمت الهيئات الاقتصادية علامات استفهام عدة حول بنود في مشروع القانون”ولا سيما المادة 7 وقالت الهيئات في بيان أنها تفاجأت ان هذه تنص في فقرتها الأولى على ان: المدفوعات والتحاويل المصرفية المحلية كافة تتم بالليرة اللبنانية بإستثناء الحالات التي تحددها “اللجنة”.
ورات الهيئات في بيان أن المادة 7 من القانون تتنافى وتنسف مفهوم الإيداعات والتحاويل الجديدة التي يكرّسه، عن حق، القانون نفسه، خصوصاً ان المادة الثانية تعرّف في بندها الرابع عشر “الإيداعات والتحاويل الجديدة” بـ”الأموال المودَعة بأي عملة كانت التي كانت حُوِّلت من خارج لبنان أو أودعت نقداً لدى المصارف بعد 17 تشرين الأول 2019 حتى لو جرى تحويلها من مصرف إلى آخر داخل لبنان”. وإن المادة الرابعة تبيح نقل هذه الأموال عبر الحدود، فهنا يكمن التناقض الكبير: كيف يُسمَح الدفع والتحويل إلى الخارج، ويمنع ذلك في الداخل”.
وحذرت من أن خطر المادة 7 يتمثل بأنها ستؤدي الى ردع المقيمين وغير المقيمين من تحويل الأموال الجديدة إلى لبنان، كونهم لا يستطيعون إستعمالها في لبنان بحرية.
واعتبرت أت اللَيلَرة القسرية للمدفوعات سيكون لها إنعكاسات كارثية على الإقتصاد المدولر بنسبة شبه كاملة، خصوصا أن هذا التدبير مرشح لأن يشمل كل المبادلات المالية، من إيجارات وعمليات تقسيط وبيع بالجملة والتجزئة، وصولاً إلى إقتناء أصول مرتفعة الثمن مثل السيارات وحتى الشقق السكنية.
ولفتت إلى أن المادة 7 ستمحي كل إيجابيات التسعير الدولاري التي شهدناها في الأشهر الماضية، والتي أدت إلى إستقرار متزايد في الأسواق، والتي تجاوب معها المستهلكون بنسب كبيرة، سواء في المطاعم أو السوبرماركت أو محطات الوقود، والتي وفّرت عليهم وعلى التجار تحمُّل خسائر في عمليات الصرف من الدولار إلى الليرة ومنها الى الدولار. مع الإشارة الى ان الليلرة قد تأتي تلقائياً ومن دون إكراه متى عادت الثقة في النظام المالي والاقتصادي اللبناني وبالعملة الوطنية.
واشارت الى أن المادة 7 ستخلق إشكاليات قانونية كبيرة لجهة العقود السابقة المقوّمة بالدولار الأميركي، فضلاً عن انها ستقتل في المهد إمكانية إعادة تفعيل التسليف المصرفي والمؤسساتي، لأن لا أحد سيقوم بالإقراض بالعملة الوطنية فضلاً عن تعزيز الاقتصاد النقدي، وهذه ضربة كبيرة موجهة سواءً للإستهلاك والإستثمار، كما لخزينة الدولة.
والمادة 7 من شأنها ان تضع القطاعات الإقتصادية برمتها، خدماتية كانت أو إنتاجية، تحت رحمة استنسابية “اللجنة الخاصة” المنشأة بموجب قانون “الكابيتال كونترول”. واللافت ان اللجنة المذكورة طابعها مالي ومحاسبي وقانوني وقضائي، أكثر منه إقتصادي، وذلك بغياب مريب في عضويتها لوزير الإقتصاد والتجارة كما وممثل عن الهيئات الاقتصادية.
ولفتت الهيئات الاقتصادية الى إن هذه اللجنة ذات الصلاحيات الواسعة قد تتحوّل الى حكومة ظل كونها تمتلك عملياً، ومن خلال توفير الدولارات هنا وحجبها هناك، حق الحياة أو الموت على مختلف القطاعات الإقتصادية ومؤسساتها، خصوصاً ان فقدان الدولار بالنسبة للقطاعات الإقتصادية هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها بعد سنوات من المعاناة”.
وسألت الهيئات الإقتصادية: “كيف للجنة خاصة، مهما علا شأنها، أن تضع شروط وتحدد أولويات في ما يتعلق بالولوج الى الدولارات النادرة من قبل هذا المورد أو ذاك؟ وهل ان إقتصاداً مثل النظام الإقتصادي اللبناني، الذي نشأ منذ أكثر من 100 عام على حرية التداول بالعملات وعلى حرية التحويل عبر الحدود، قادر على التكيّف مع الإجراء الصارم الذي تفرضه المادة السابعة لجهة فرض الليلرة عنوةً ؟ وهل طموح لبنان ان يفقد رونقه الإقتصادي الخاص به، والذي جعل منه مقصداً للترفيه والتسوق والتبضع، للأبعدين قبل الأقربين، وان يتحوّل اقتصاده الى نموذج إقتصادي مسخ لا يليق بلبنان، وهو أصلاً غير قابل للحياة”؟.
إذا كان تخفيض العجز في ميزان المدفوعات هو هدف مشروع (مع العلم ان مساره بات ينحدر بإعتراف صندوق النقد الدولي)، لا ينبغي ان يؤدي هذا الهدف الى إعاقة وربما تدمير قطاعات إقتصادية برمّتها. إنما يتوجب على الحكومة إجراء الإصلاحات المطلوبة، (لا سيما تقليص حجم القطاع العام) وتحفيز الصادرات من السلع والخدمات، ووقف التهريب الذي يستنزف الخزينة، وضبط إيقاع القرارات (العشوائية المتعلقة منها بالدولار الجمركي وغيره)، وإمداد الاقتصاد والمجتمع بالكميات الكافية من الطاقة فلن يعودوا يستثمرون في الحلول البديلة. وإن غياب هذه الإجراءات جميعها مضاف اليها عيء النزوح، هو المسؤول الأول عن إنتفاخ الفاتورة الإستيرادية في لبنان.
واذ رحبت الهيئات الاقتصادية مجدداً بقانون الكابيتال كونترول، طالبت بإلحاح بحذف البند الأول من المادة 7 كلياً، أو بالحد الأدنى إضافة، في مطلع البند الأول، عبارة: “بإستثناء الإيداعات والتحاويل الجديدة”، وذلك لتلافي المخاطر الاقتصادية الكبيرة التي تنطوي عليها