كتب ابراهيم بيرم: في الساعات الماضية، عصفت بالبيت الشيعي الديني زوبعة كادت تتوسع لولا تدخل عاجل للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، فسارع الى تبديدها.
المعلوم أن المجلس الشيعي قد انتهت ولايته القانونية منذ وفاة رئيسه الراحل الشيخ عبد الامير قبلان، لكن ارادة الثنائي الشيعي القابض على زمام الامور السياسية والدينية للطائفة، ارتضى وتحت شعار تسيير “المرفق العام”، ان يبقي هذا المجلس الذي تأسس عام 1976 على يد الامام المغيب موسى الصدر تحت ادارة موقّتة يشرف عليها نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، بانتظار اتفاقهما على صيغة تسوية تبت حين يحين اوانها في حساباتهما.
ظل الوضع هادئاً ونشاط المجلس يقتصر على حراك محدود لنائب رئيسه، الى ان اصدرت هيئة التبليغ الديني في المجلس عصر امس تعميماً مفاجئاً من حيث توقيته ومن حيث مضمونه وابعاده، قضى بطرد 17 رجل دين شيعي تحت حجة “عدم الاهلية”، وبتجريدهم من زيهم الديني ومنعهما من القيام بأية مهمات تبليغية.
الواضح ان الذريعة التي اعتمدتها تلك الهيئة للاقدام على خطوتها تلك هي ذات شقين:
الاول، محاصرة الـ 17 رجل دين المطرودين بتهمة “التحريف في عقيدة الاثنى عشرية ومضامينها لجهة اطلاق بعضهم مقولات وافكار ورؤى تجافي تلك الاصول وهو ما ينطبق عليه صفة الافتاء من غير علم”.
الثاني، محاصرتهم ايضاً بتهمة “الاساءة الى مراجع شيعية وشخصيات ذات مكانة علمية رفيعة، لكن نائب رئيس المجلس ما لبث ان ابطل التعميم المذكور.
المعلوم انه سبق للمجلس الشيعي ان جرد في خطوة غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية بعض العلماء من مهماتهم الرسمية، وابرز مثال على ذلك مفتي صور السابق السيد علي الامين، خصوصاً بعد ان اعلن الرجل انزياحه التام الى معسكر فريق 14 آذار ووضع نفسه ومكانته بحمايته وتصرفه، لكنه لم يجرده من صفته الدينية ولم يتهمه بـ “عدم الاهلية”، كما سبق وجرد علماء آخرين من مهماتهم، ولكنه كان يحرص على ابقاء الامر ضمن حدود ضيقة.
لكن التعميم الجديد لهيئة التبليغ الديني في المجلس ورد في ظل استقرار سياسي وليس في جو عاصف كما في العام 2006. وهذا من شأنه ان يكشف عن خلافات وتباينات تعتمل في داخل البيت الشيعي الديني والسياسي من جهة وتكشف ايضاً عن ان البيئة الشيعية الموالية للثنائي، والتي تعلي من شأن مرجعيات قم وطهران، باتت تضيق حتى بأصوات قليلة تحاول ان تكون مختلفة.
اللافت في الامر، ان الاغلبية الساحقة من الاسماء الواردة في “لائحة المجردين من صفاتهم ومن زيهم الديني” مجهولة، الا اسماً واحدا يبذل منذ زمن جهداً استثنائياً لكي يفرض نفسه حالة متمايزة وهو الشيخ ياسر عودة.
هذا الرجل الذي يقدم نفسه انه من مريدي العلامة محمد حسين فضل الله، دأب منذ زمن على الاعتراض الشرس على نهج الثنائي معاً، ويوجه اليهما اتهامات حادة من قبيل “تجويع ابناء الطائفة” وفي كونهما ملاذاً لـ “فاسدين وثقافة الفساد”.
واللافت ان الرجل يتوسل خطاباً ولهجة اقرب ما تكون الى “لغة التحريض” التي اعتاد معارضون توسلها، وهم يحملون على خصومهم السياسيين، فضلاً عن انه لا يوفر في انتقاداته حتى مؤسسات المرجعية الشيعية باعتبارها تغالي في ممارسات معينة.
وعليه، بدا الرجل مستعجلاً في نظر البعض ليحجز لنفسه مكاناً في وسط بيئة يعرف تماماً انها معبأة حد الاشباع، وانها غير مستعدة حتى للاستماع الى أي صوت مهما كان ناعماً ينال من قناعاتها الثابتة. لذا، ركز على التمايز والصوت العالي والانتقاد الحاد الجريء، فنجح في ان يكون مقصد محطات تلفزة تبحث عن عناصر اثارة من جهة، وتظهر ان ثمة “ردة” معارضة بدأت تنمو وتكبر في داخل البيئة الشيعية.
واذا كان ثمة من يرى ان قرار نائب رئيس المجلس الشيعي بـ “ابطال” مفاعيل تعميم هيئة التبليغ واعتباره وكأنه لم يكن، قد افضى على نحو ما الى التخفيف من مفاعيل الحدث، الا ان “التعميم وابطاله” قد اديا الاغراض والمقاصد المضمرة ومنها ان ثمة “فوضى” افكار بدأت تذر بقرنها في البيت الديني الشيعي بحيث صار مطلوباً ضبطها لأنها تتعدى الانتقاد الى حد المساس بجوهر العقيدة وثوابتها. وعليه، بات لزاماً اعادة النظر بواقع التعليم الديني وطريقة التدريس فيه ومنح الاجازات والشهادات.
وسواء كان صحيحاً ان تعميم الهيئة قد ابطل ووئد في لحظة ولادته، فانه اتى كجرس انذار مؤداه انه يتعين الالتفات الى واقع هذا الحيز وجعل الاعين مفتوحة عليه.