بلاغة الاعلان المتأخر نسبيا انه وضع حدا لسيل من التكهنات والتحليلات سرى في الايام الماضية وفحواه ان وريث الزعامة الشمعونية والذي ضمن مقعدا نيابيا عن دائرة بعبدا في الانتخابات الاخيرة ( 2022) بفعل دعم من حزب القوات هو على وشك مغادرة هذا التكتل الذي يضم نحو 20 نائبا .

 ولم يأت احتمال خروج شمعون من الحضن والرعاية القواتية ، من فراغ بل من معطيات ووقائع عملية فرضت نفسها اخيرا واظهرت واقعين :

 الاول ان شمعون الحفيد ( يحمل اسم جده احد الزعماء التاريخيين للموارنة ) قد بدا انفتاحا سياسيا في اتجاه فضاءات سياسية اخرى غير الفضاء القواتي .

الثاني ان الرجل يسعى للتأسيس لحيثية سياسية متمايزة تخرجه من صورة الملحق بالقوات واللاجىء السياسي عندهم .

 ولقد تعززت هذه الفرضية بعد تطورين ملموسين :

 الاول ان شمعون زار للمرة الاولى على رأس وفد من حزبه رئيس مجلس النواب نبيه بري ليسجل بذلك اول اتصال بينه وبين ” الثنائي الشيعي ” الذي اعتاد توجيه سهام الانتقاد اليه .

 الثاني  استقبال شمعون للنائب طوني سليمان فرنجية في مركز الحزب في محلة السيوفي في الاشرفية مسجلا بذلك ايضا اول اتصال مع تيار ” المردة ” الذي يسعى زعيمه سليمان فرنجية لبلوغ سدة الرئاسة الاولى .

 ربما يكون هذا الحراك من جانب سياسي ورث زعامة تيار سياسي يعد من التيارات العريقة على رغم ضمور حضوره وتآكل دوره في الاونة الاخيرة ، امرا عاديا. ولكن مثل هذا الانفتاح من جانب هذا السياسي في هذا التوقيت الحساس بالذات يعد علامة فارقة وامرا يتعين الوقوف عند ابعاده ويستاهل هذا الكم من التكهنات .

الثابت انه لم يسبق لشمعون ان رفع صوته بالشكوى من تهميش او انه افصح ذات يوم عن رغبة بالتاسيس لحضور سياسي مستقل لذا كان بديهيا ان يفسر المفسرون لقاءه ببري وبفرنجية الابن على انه ينطوي على احتمالات عدة ومن بينها الرغبة بالانشقاق عن القوات .

 وسواء كان نفي شمعون الامر اخيرا بمثابة قفل لباب التأويلات او ان انفتاحه اساسا كان بمثابة رسالة الى من يعنيهم الامر فحواها ان صدره قد ضاق بهذا الدور المتواضع الممنوح له ، فان العلاقة التاريخية بين ورثة زعامة الشمعونية و” القوات اللبنانية ” لم تكن دوما علاقة سلسة وطبيعية بل كانت مشوبة دوما بالخلافات والصراعات .

 فالمعلوم ان اول ضربة قاصمة تلقتها هذه الزعامة كانت في اوائل الثمانينات من القرن الماضي على يد المؤسس للقوات الرئيس الاسبق بشير الجميل اذ هاجمت حينها قوة كبيرة من القوات معقل ” نمور الاحرار ” ( الذراع العسكرية لحزب الاحرار في منطقة الصفرا الساحلية منهية هذا الوجود بعد ان تم تصفية قسم من عناصر النمور فيما الحق القسم الاخر بالقوات مباشرة وذلك تحت عنوان ” توحيد البندقية المسيحية ” .

 وعلى رغم من ان داني شمعون بدا حينها مستسلما للامر الواقع الا انه ما لبث ان تمرد عليه في اول فرصة. اذ سرعان ما التحق بقائد الجيش السابق العماد ميشال عون الذي ولاه الرئيس الاسبق امين الجميل رئاسة الحكومة العسكرية في عام 1988. والمعلوم ان عون خاض لاحقا حربا ضارية ضد ” القوات اللبنانية ” تحت عنوان حرب الالغاء .

 ولقد وجد داني شمعون مقتولا مع عائلته بعد وقت قصير من سقوط قصر بعبدا بيد السوريين في عام 1990  .  وبعدها ضمرت الزعامة الشمعونية وصارت قوة معنوية آثر بعدها دوري شمعون ان يلتحق بالقوات .

 وبصرف النظر عن مآلات حراك النائب شمعون ومداه فان الثابت انه حراك ايقظ في اذهان كثيرين صورة ذلك الصراع وفرض هذا النوع من التكهنات .