خاص “اخباركم”: ليس هناك من صاحب تفكير واقعي في السياسة، إلا ويعلم أنَّ دون الإتفاق بين التيار الوطني الحر و (ا ل ح ز ب) في حوارهما المستجد، والمتجدد، أشواك وأفخاخٌ كثيرة. ليست قصة عين نبيه بري المرتابة والمتشككة بهكذا نوع من الحوار فحسب، بل القضية تتجاوز الشخصي إلى إعادة صياغة أسس النظام اللبناني، وخاصة في ترجماته المالية والإقتصادية. فجبران باسيل يعلم جيداً أنّه يمد يده إلى هيكل منظومة التسعينات، وتحديداً الإدارة المالية المعقود لواؤها للثنائية الشيعية، أو بالأحرى لبرّي. ولرئيس المجلس صولات وجولات مع الرئيس ميشال عون الذي واجهه وهو في مستهل ولايته الرئاسية، وحالم أو ساذج من يفكّر بأن برّي سيسلّم بسهولة.
معروف للقاصي والداني أنَّ اللامركزية الإدارية، هي في حدِّ ذاتها لامركزية مالية تتطلب جبايةً من الوحدات اللامركزية لقسم من الضرائب، بمعنى آخر، تخفيف ثقل وسيطرة الدولة المركزية، من دون النزوع إلى أي نوع من الفدرالية أو الإنفصال كما يروّج أخصام اللامركزية والمتربّصين بها. ولم تكن صدفةً أن أول المعترضين على طرح اللامركزية هما حركة “أمل” إلى جانب “الحزب التقدمي الإشتراكي”، وهما من الأركان الأساسيين لمنظومة التسعينات بأخطائها وباستباحتها الدولة واجهزتها وإداراتها وصناديقها. فمن هو التيار الوطني الحر هذا ورئيسه ليطالبا بسحبِ السلطة المالية من عُقر هذه المنظومة والمشاركة بالقرار؟
من هنا، تبدو ليونة ( ا ل ح ز ب)، وخاصةً بعد المراجعة الذاتية التي أُجريت في ظل معمعة الإنتخابات الرئاسية وإبراز خيار جهاد أزعور ليشكل تهديداً للخيار الرئاسي للثنائية الشيعية، محاطة بتصلب حركة “أمل” وبري. كما انه من السذاجة السياسية أيضاً، تصور أن ( ا ل ح ز ب) و”أمل” واحد على الرغم من كل المراعاة التي يبديها “ا ل ح ز ب” لبري، وتفويضه مديراً للثنائية الشيعية السياسية في النظام اللبناني. وكونه يملك مفاتيح المجلس، وفي ظل أوضاع تشريعية دقيقة، وفي ظل تفرغ المجلس للإنتخابات الرئاسية، تزداد دقة ترجمة أيّ اتفاق بين “الحزب” و”التيار” تشريعياً، في حال افتراض التوصل السريع لاتفاق شامل بما في ذلك التوافق على إسمٍ رئاسي.
ليس خافياً على رئيس “التيار” جبران باسيل كل تلك الصعوبات والعقبات. أساساً ومنذ أن أطلق خطاباته الشهيرة عن فتح نافذة الحوار مجدداً، طرح معادلة “الدفع المسبق” قبل الإتفاق، لضمان “الربح” الصافي في ظل التجارب الأليمة السابقة والتي جعلت “التيار” يدفع ثمناً باهظاً من شعبيته في العلاقة الصعبة مع حزب الله. كما أن الترويج في أوساط “الثنائية”، وخاصة من قبل الذين يدورون في فلك الرئيس بري، عن قرب التوصل إلى اتفاق، سرعان ما تعرض لتصويب وردود جازمة واضحة من “التيار” بأن الطريق إلى خواتيم هذا الحوار والإتفاق لا تزال طويلة، لا بل تعمد بيان “التيار” أن يصفها ب”الصعبة” جداً.
كما أن باسيل ليس مستعجلاً ليمنح الرئاسة على طبق من ذهب لـ (ا ل ح ز ب)، ومن يعرفه في المفاوضات يدرك جيداً أن الثمن سيكون غالياً وأن الصعوبة ستكون محدقة في كل تفصيل ومنعطف. فـ”التيار” الذي وصل إلى الخط الأحمر في شعبيته وبيئته المسيحية خاصةً، لن يقبل بأقل من تصحيح في ممارسات منظومة التسعينات عبر أسس دستورية وتشريعية واضحة، وهذه المرة من زاوية أولوية الملف المالي والإقتصادي، ووفقاً لرؤية مستقبلية.
هنا ( ا ل ح ز ب) على المحك. بين حليفه في “البيت” والحليف المسيحي الذي لا غنىً عنه، معادلة صعبة. غير أن النوافذ والحلول ليست مغلقة أبداً، والموقف الذي اتخذه إزاء التمديد لحاكم مصرف لبنان أو تعيين حاكم جديد، قد يكون مؤشراً إلى نوع العلاقة الجديدة بين حليفيه على قاعدة الحد الأدنى من التوازن، البهلواني بإمساك العصا من المنتصف.
النجاح سيكون في الإمتحان، الأكثر دقة وصعوبة بين ركني “تفاهم 6 شباط”، السابق؟!